هل احترم مشروع قانون المالية مبدأ العدالة الضريبية في سعيه لبلوغ "الدولة الاجتماعية"؟

التحليل والرأي - 04-11-2023

هل احترم مشروع قانون المالية مبدأ العدالة الضريبية في سعيه لبلوغ "الدولة الاجتماعية"؟

اقتصادكم

 

يجب أن يكون الفصل 39 من الدستور هو البوصلة الأولى لإصلاحات الضرائب. تم تبني قانون إصلاح النظام الضريبي الذي تم اعتماده في 2021، وهو مستوحى من توصيات المناظرات الوطنية الثالثة للضرائب، ويتماشى مع روح ونص هذه المادة في القانون الأساسي للمملكة، الذي يكرس مبدئي العدالة الضريبية وشرعية الضريبة.

بالطبع، هذه المبادئ، التي تشكل أسس التجارب الديمقراطية في العالم، لا تمثل قيمًا مطلقة. تطبق في واقع دينامي دائما، حيث تختلف المصالح وتتعارض، وبالتالي تكون متصارعة. ومع ذلك، يجب على قوانين المالية أن تعبر عن اتجاه دائم نحو تفعيل هاذين المبدأين، واللذين في الواقع يشكلان الجوهر الأول للعقد الاجتماعي.

هل تندرج التدابير الضريبية المتضمنة في قانون المالية المعتمد منذ 2022 ضمن هذا الإطار؟. من الصعب الحكم. تم تخصيص قانون المالية 2023 بشكل رئيسي للضريبة على الشركات (IS)، وبالتالي للمؤسسات ورؤوس الأموال. وقد تم التخطيط لتخفيض تدريجي لمعدلات التضريب على الأرباح، بهدف المساهمة في إحداث بيئة تستفيد أكثر من الاستثمار. ومع ذلك، يعرف المغاربة بشكل جيد "دهاليز" الأمور في المملكة، انطلاقا من مقولة "أهل مكة أدرى بشعابها".

ويدرك المغاربة العقبات الحقيقية للاستثمار التي تكون هي بالطبع هيكلية، مع ذكر "اقتصاد الريع" في المقام الأول. مشروع قانون مالية 2024 خصص معظم التدابير الضريبية لضريبة القيمة المضافة(TVA) ، والهدف المعلن رسمياً هو تعزيز "الاستقرار الاقتصادي" لضريبة القيمة المضافة، من خلال تقليل الحالات التي يمكن أن تكون معها هذه الضريبة محملة للمستهلك النهائي فقط، وألا تضر بالقدرات المالية للمقاولات.

هذه ليست مسألة تقنية فقط. كيف يمكن ضمان نجاعة هذه الضريبة غير المباشرة على الاستهلاك النهائي، الذي يمثل مصدر تمويل أساسي للدولة والجماعات الترابية، مع مبدأ العدالة الضريبية؟. تلك هي التحديات التي يجب مواجهتها من أجل بلوغ الدولة الاجتماعية.

لا يمكن أن تكون هناك "دولة اجتماعية" من دون العدالة الضريبية، والتي لا يمكن فصلها عن مبدأ شرعية الضريبة، أي الموافقة على الضريبة. وهذا يعني أن الجهة الرئيسية التي يجب أن تكون لها كلمة الفصل هي المؤسسة البرلمانية عندما تمثل حقا إرادة المواطنين. ويتوقع مشروع قانون المالية 2024، فيما يتعلق بالضريبة على القيمة المضافة، التخلص تدريجيًا من المعدلات المخفضة بنسبة 7% و 14%، واستبدالها بمعدلات 10% و20%، على التوالي. تشمل هذه الزيادة بشكل خاص المنتجات والخدمات الأساسية للاستهلاك الواسع والقليل المرونة. وهذا بالضرورة يعني زيادة في الأسعار، مما يعزز المسار التضخمي، الذي استمر لمدة سنتينبالفعل، والذي أضر سلبا بالقدرة الشرائية للمواطنين.

"المنسيون الكبار" في هذا الإصلاح الضريبي هم بالطبع الأجراء، حيث تُقتطع الضريبة على الدخل (IR) من مصدرها بناءً على جدول ضرائب يعود تاريخه إلى 14 سنة. ولنقم بمقارنة مبدأ العدالة الدستوري مع الأرقام، تتوقع العائدات الضريبية المخطط لها لسنة 2024 مبلغا قيمته 280.39 مليار درهم. في هذا المبلغ، هناك ضرائب غير مباشرة (بما في ذلك الرسوم الجمركية ورسوم التسجيل والطوابع، والتي يُعرف عالمياً بأنها ضرائب غير مباشرة)، بإجمالي قدره 163.31 مليار درهم، إذ تمثل 58.24%. 

ووفقًا لهذه الأرقام، فإن مشروع قانون المالية 2024 لا يتماشى مع نص الدستور ولا مع روحه. التحدي الرئيسي هو ضمان نمو مستدام لموارد الدولة والجماعات الترابية، لضمان استمرارية تنفيذ المشروعات الاستراتيجية الكبيرة، وتجنب الاعتماد المفرط على الاقتراض، مع الالتزام بمبدأ العدالة الضريبية، الذي يشكل نواة العقد الاجتماعي والدولة الاجتماعية.