اقتصادكم
تناسلت خلال الفترة الأخيرة مجموعة من الأرقام والمعطيات الصادرة عن مصادرة مختلفة حول عدد المقاولات المفلسة خلال النصف الأول من السنة الجارية. يتعلق الأمر بفوضى أرقام تسببت في حيرة الباحثين والمتتبعين للشأن الاقتصاد الوطني، باعتبار "الإفلاس" مؤشرا مهما على الوضعية الاقتصادية، وإشارة واقعية على مدى نجاعة برامج تمويل ودعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، التي تكلف ميزانية الدولة الملايير.
مكتب "أنفو ريسك"، الذي ينشط في تحليل مخاطر الأسواق المالية، والمعتبر مرصدا للمقاولات الصغرى والمتوسطة، كشف عن ارتفاع عدد المقاولات المفلسة إلى 2833 مقاولة خلال الفصل الثاني من السنة الجارية، بزيادة نسبتها 6 % مقارنة مع الفترة ذاتها من السنة الماضية، موضحا أن العدد التراكمي للمقاولات المفلسة استقر عند 6665 مقاولة خلال النصف الأول من السنة الجارية، بزيادة نسبتها 18%.
المرصد توقع أيضا، تقدم وتيرة إفلاس المقاولات خلال النصف الثاني من السنة الجارية، ليصل إجمالي المقاولات المرتقب إفلاسها إلى 15 ألف مقاولة خلال 2023، فيما تركزت 98.8 % من حالات الإفلاس خلال ثاني فصول السنة الجارية، في صفوف المقاولات الصغرى والصغيرة جدا، و1.1 % في المقاولات الصغرى والمتوسطة.
هذه الأرقام، تناقض تماما، تلك الصادر عن المكتب الوطني للملكية الصناعية والتجارية، والتي يجري تحيينها باستمرار، إذ أظهرت استقرار عدد المقاولات التي تم التشطيب عليها من السجلات التجارية بشكل نهائي، أي المفلسة رسميا، عند 4390 مقاولة خلال النصف الأول من 2023، مقابل 4753 مقاولة دخلت مسطرة التصفية والتسوية القضائية خلال الفترة ذاتها.
بالنسبة إلى عبد الرزاق كوني، الخبير الاقتصادي والمتخصص في تحليل الأسواق المالية، "لا وجود لمصطلح إفلاس" أساسا، موضحا ان الباب الخامس من مدونة التجارة لسنة 1996 يتحدث عن مسطرة للسوية والتصفية القضائية، وبالتالي فتصفية أي مقاولة يخضع لمسطرة قضائية، ويجري التشطيب على سجلها التجاري بقرار قضائي، وذلك بعد استكمال جميع مراحل المسطرة المذكورة.
ويتحدث كوني لـ"اقتصادكم"، عن اتساع السلطة التقديرية للقضاة في معالجة ملفات التسوية والتصفية القضائية، مراعاة للوضعية الاقتصادية ومصالح الأطراف، وبالتالي فالأولوية تكون دائما لمساطر التسوية وإنقاذ المقاولة من وضعيتها المعسرة، من أجل مساعدتها على الوفاء بالتزاماتها، خصوصا الأجور وديون المزودين، قبل التوجه إلى مسطرة التصفية، التي تفترض توفر مجموعة من الشروط يصعب معها عودة المقاولة إلى نشاطها، وبالتالي فهي مسطرة معقدة، موضحا بالقول، "إني أتعامل في تحليلي لوضعية المقاولات مع مصادر رسمية، تستقي معلوماتها من المحاكم ومصالح السجلات التجارية، وأتجاهل في المقابل دراسات مكاتب الاستشارة ففي هذا الشأن".
هذا التوجه، يجد مبرره في تحري الدقة العلمية عند التحليل والبحث، في الوقت الذي يعتمد مهنيون في تقييم للوضعية المالية للمقاولات في السوق على واقع خبرتهم العملية، فهم أدرى بما تختزله أرقام الإدارات العمومية ومكاتب الدراسات والاستشارة الخاصة. وبهذا الصدد، يعتبر عبد الله الفركي. رئيس الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة، لـ"اقتصادكم"، إفلاس 3 آلاف مقاولة في الأشهر الثلاثة الأولى من هده السنة 2023، وفق معطيات "انفو ريسك"، رقما "غير دقيق"، لأنه يتضمن فقط الشركات الشخصية المعنوية(Personnes Morales) ، موضحا أنه إذا تم إحصاء وإضافة المقاولات الداتية (Personnes Physiques) ايضًا، سيتجاوز العدد 5 آلاف مقاولة، ومنها 99% مقاولة صغيرة جدًا (TPE).
ويتابع فركي بالقول، "سبق لي أن أعلنت أن أكثر من 25 ألف مقاولة أفلست في 2022، وأكثر من 250 ألف منها تواجه تهديدات الإفلاس. وطالما أن هذه الحكومة غير راغبة في التعامل بشكل واقعي وجدي مع الوضع، فإن هذا النزيف سيستمر بشكل مكثف، وسيتجاوز عدد المقاولات التي ستعلن إفلاسها هذا العام 25 الف مقاولة، منها 99% مقاولات صغيرة جدًا (TPE)".
ويظل الثابت وسط فوضى الأرقام حول إفلاس المقاولات، ارتباط هذا المؤشر بصحة الاقتصاد الوطني ومدى استجابته لمحاولات الإنعاش، من خلال ضخ تمويلات ومبالغ دعم ضخمة، في أفق تحفيز الطلب وإحداث فرص الشغل، إذ تعتبر مقاولات القطاع الخاص محركا أساسيا للاقتصاديات المتطورة حاليا.