اقتصادكم - نورالدين البيار
وضعت الحرب الأوكرانية العديد من اقتصادات العالم على صفيح ساخن، في مرحلة تتسم بوضع اقتصادي صعب.
شظايا الحرب لم تستثن أحدا بل إن اقتصادا قويا مثل الاقتصاد الألماني لم يسلم منها.
فبحسب تقرير صدر مؤخرا عن مكتب الإحصاء الاتحادي الألماني، سجل ارتفاع معدلات التضخم في البلاد ارتفاعا، لتصل في مارس الماضي إلى 7.3 بالمئة.
الأسعار ارتفعت في أبريل الماضي بنسبة قاربت 7.5 بالمئة، مقارنة بمستواها خلال الشهر نفسه من العام الماضي.
فالتداعيات التي أعقبت الاجتياح الروسي بدءا من تراجع قيمة الروبل، وتأثر سلاسل الإمداد، وارتفاع أسعار النفط، وظهور كوفيد19 مجددا في الصين وإغلاق شنغهاي أحدث ارباكا في الأسواق الدولية.
المغرب كاقتصاد نامي، لم يكن بعيدا عن هذه التداعيات.
تأخر التساقطات، وتزامنها مع الأسابيع التي أعقبت الحرب، تبعته تقلبات غير مسبوقة في أسعار المحروقات، تجلت في تجاوز سعر لتر الغازوال للتر البنزين، في سابقة تاريخية مغربية ليصل حاجز 15 درهما للتر الواحد.
هذه التحولات ربكت الحكومة الحالية التي أسقط في يدها، فما أن استكانت إلى قانون مالية 2022، وهي تغادر كماشة الجائحة ومتحوراتها، وبينما كانت تستعد لمساعدة الفلاحين، وتسطير برنامج عمل الأشهر الأولى حتى فاجأتها الحرب.
الحكومة نفسها واعية بهذا المعطى، وهو ما أكده وزير الصناعة والتجارة رياض مزور، الأربعاء الماضي بالدار البيضاء، حيث قال إن المغرب يعد بلدا يتحرك ويبتكر في سياق اقتصادي صعب.
من جانبه اعتبر رئيس الحكومة عزيز أخنوش في كلمة له بمناسبة “الاجتماع السنوي للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية” بمراكش مؤخرا أن المناسبة، فرصة للتشاور والحوار حول التداعيات الاقتصادية والاجتماعية التي يعيش العالم على وقعها، بدءا من أزمة كوفيد19، وما تلاها من ركود اقتصادي، ثم أزمة ارتفاع أسعار المواد الأولية، إذ اشتدت حدة التضخم على خلفية الأزمة الأوكرانية”.
ونوه اخنوش باختيار شعار المنتدى “معالجة التحديات في عالم مضطرب”.
هذا الاضطراب من شأنه أن يتواصل في الأشهر، وربما السنوات القليلة المقبلة الأمر الذي يفرض على الحكومة وضع خطط بديلة وسريعة ومدروسة بشكل جيد، من شأنها التقليل من تداعيات هذه الازمة خاصة على الفئات الهشة التي ليس لها عضوية أو انخراط في أي هيئة أو نقابة، يمكن ان تدافع عن مصالحها.
نعيش اليوم وضعا استثنائيا يتطلب قرارات استثنائية، من الحكومة، لمعالجة المعضلات الاقتصادية المجتمعية كالبطالة والفساد والتعليم وتعزيز التنافسية والابتكار وروح المقاولة، وجلب الاستثمارات وتعزيز قيمة الفرد داخل المجتمع.
إذ بهذه القيمة يمكن أن يكون المواطن فاعلا أساسيا في عجلة النمو لتحقيق الشمول المالي في الحواضر والقرى على حد سواء.
هذ السياق الدولي الصعب يتطلب ان تسد الحكومة، الفجوات الاقتصادية التي أحدثها التضخم وأثره على القدرة الشرائية للمواطن.
وأول شيء يمكن للحكومة أن تقوم به في هذا السياق الصعب، هو تعزيز التواصل مع المواطن، لأن التواصل هو الوسيلة الأولى والناجعة التي من خلالها من يمكن حل أي أزمة كيفما كانت وكيفما كان ثقلها، وبدون تواصل فعال سترتد الأزمات الصغيرة على الحلول التي تبدو كبيرة لتحدث سوء فهم بين جميع الفاعلين الذي يفترض بهم حل الأزمة، لأن الحكومة في تعاملها مع متحورات كوفيد الأخيرة لم توفق تواصليا.
2022 لن تكون سنة الحل بحسب أغلب الخبراء الاقتصاديين، لكنها يمكن أن تكون محددا لاتجاهات الاقتصادات فيما سيأتي لاحقا، خاصة وأن دول كثيرة أعلنت عن مستويات تضخم ونسب نمو متفاوتة.
في المغرب غير رئيس الحكومة عزيز أخنوش، قبل شهر في البرلمان توقعه بشأن نسبة النمو، وقال إنه سيراوح بين 1.5% و1.7% خلال سنة 2022، بدلا من معدل 3.2% المتوقع في قانون المالية.
وهو ما ذهبت إليه توقعات كبيرة الاقتصاديين في البنك بياتا جافورسيك، في حوار مع وكالة المغرب العربي للأنباء، حيث قالت إنه مقارنة مع شهر مارس المنصرم، نتوقع أن يبلغ نمو الناتج الداخلي الخام في سنة 2022 نسبة 1.2 في المئة فقط، بانخفاض بنسبة 2 في المئة مقارنة بما توقعناه في نونبر 2021.
وعلى مستوى ارتفاع الأسعار توقع مجلس بنك المغرب، الذي اجتمع في مارس الماضي بلوغ معدل التضخم 4.7 في المائة في 2022 مقابل 1.4 في المئة سنة 2021 قبل أن يتراجع إلى 1.9 في المائة سنة 2023.
دوليا ينتظر أن ينخفض معدل التضخم في الولايات المتحدة من 6.2 في المئة في أكتوبر 2021 إلى 1.8 في المئة نهاية العام الجديد، أما في منطقة اليورو فسينخفض من 4.1 إلى 1.2 في المئة، وفي الاقتصادات الصاعدة من 6.8 في المائة في 2021 إلى 4 في المائة خلال 2022، بينما على المستوى العالمي سينخفض من 6.6 في المائة في 2021 إلى 2.7 بنهاية العام الجاري".