ارشيف
شعيب لفريخ
سنة 2022 كما جاء في توقعات المندوبية السامية للتخطيط ستشكل "سنة التحدي والاختبار العملي للنموذج التنموي الجديد بالمغرب، التي ينبغي أن تشهد ديناميكية جديدة للإصلاحات الهيكلية الضرورية بغية تحقيق نمو اقتصادي على المدى الطويل وظروف معيشية للساكنة "
لكن بعد مضي نصف سنة على تشكيل الحكومة الجديدة مما يعني نصف سنة من العمل الحكومي، ومضي ثلاثة أشهر من السنة الجديدة 2022، لم تظهر بعد أية مؤشرات رئيسية على إعمال مبادئ النموذج التنموي الجديد ومخرجاته وأجنداته.
فالإطار المرجعي للنموذج التنموي الجديد بالمغرب المتفق عليه من طرف مختلف الفاعلين والقوى الفاعلة بالمغرب، يشكل إطاره المعياري كل من الدستور والمفهوم الجديد للتنمية، وهذا المفهوم في حد ذاته هو مستمد من الدستور وفي نفس الوقت هو امتداد له كما جاء في الوثيقة الأصلية للنموذج التنموي.
فدستور سنة 2011 الذي مضى على اعتماده أكثر من 10 سنوات مازالت بعض مقتضياته الأساسية جدا غير منزلة وغير مفعلة، فيما يتعلق بالمبادئ العامة للحكامة الجيدة ومبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، والمجلس الأعلى للحسابات..
وإذا كانت وثيقة النموذج التنموي الجديد قد تحدثت في القسم الثالث منه عن " الدور الكبير للجهاز الإداري في تفعيل المشروع التنموي الجديد من خلال الارتكاز على توجه تنظيمي جديد بشأن دور الدولة وتقليص تدخل الأدوار"، فالحكومة الحالية وعلى امتداد ستة أشهر فالإصلاحات الإدارية هي لحد الساعة متوقفة.
فهي لم تقم باستكمال الإصلاحات التي قامت ببدئها الحكومة السابقة على مستوى قانون ميثاق المرافق العمومية رقم 54.19 في إطار عملية تنزيل الدستور في فصله 157 المتعلق بتحديد قواعد الحكامة الجيدة في مجال تسيير الإدارات العمومية والجهات والجماعات الترابية الأخرى وكذا مختلف الأجهزة العمومية.
فحسب المعطيات الرسمية للإدارة مازالت حاجة ماسة إلى منظومة تشريعية وتنظيمية تؤطر كل صنف من المرافق العمومية، هنالك حوالي 35 قطاعا وزاريا و1600 جماعة ترابية، وأكثر من 800 مؤسسة ومقاولة عمومية، بالإضافة إلى باقي الهيئات العامة والخاصة المكلفة بمهام المرفق العام، هذا فضلا عن عدم إعداد مدونات أخلاقية، ووضع برامج لتعزيز قيم النزاهة والشفافية.
بل الأدهى من ذلك والذي يثبت بدون أدنى شك السير في الاتجاه المضاد للنموذج التنموي الجديد، هو تراجع للحكومة الحالي عن مسلسل تخليق الحياة العامة، حيث تم سحب للقانون 10.16 المتعلق بتجريم الإثراء غير المشروع الذي سبق أن تم إعداده ضمن الولاية البرلمانية والحكومية السابقة، وكذا تجميد الحكومة الحالية للاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد التي سبق وأن أعدتها عدة قطاعات حكومية.
فالفساد في المغرب الذي هو معضلة حقيقية معترف بها داخليا وخارجيا، "لا يمكن معه اعتماد أي نموذج تنموي، وأن " أية برامج تنموية أو سياسات عمومية كيفما كانت جودتها وبرامجها لا يمكن أن يكون لها أي أثر في الواقع إذا استمر الفساد والريع والرشوة والافلات من العقاب" على حد قول أحد الفاعلين في المجال.
وكما هو معلوم فالقطاع الاقتصادي هو مرتبط أشد الارتباط بالإصلاح الإداري، وكل يوم ضائع في مسلسل الإصلاح هو خسارة اقتصادية على مستوى نسبة النمو والدخل الإجمالي.
وإذا استمرت المنظومة الإدارية التقليدية الحالية على حالها، ولم يشملها أي تغيير في إطار تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة كما هو منصوص عليه في الدستور، ولم يشملها تفعيل المبادئ الأخرى للحكامة وكذا مختلف التوصيات الصادرة عن مؤسسات الحكامة، فإن خارطة طريق النموذج التنموي الجديد لم يتم سلكها وتبقى مجرد حبر على ورق.
إن عدم احترام مبادئ الحكامة الجيدة وتفعيلها وعدم إصلاح الجهاز الإداري وفق المبادئ الدستورية، سيكبح لامحالة عمليات الانطلاق والوصول إلى تحقيق الأهداف المسطرة في النموذج التنموي الجديد، رغم أن وثيقته الأصلية تؤكد بالحرف على ’’ أن التغيير أصبح ضروريا وله طابع استعجالي، ويتطلب الأمر تغيير أسلوب العمل الجماعي من أجل تنفيذ الإصلاحات بوثيرة ثابتة وتجاوز مختلف أشكال مقاومة التغيير’’.
وهذا الأمر الواقع هو الذي دفع ببعض التقييمات السياسية لبعض الأحزاب في نظرتها لعمل نصف سنة من العمل الحكومي، بأن تطالب الحكومة بإجراء حوار وطني موسع لبلورة آليات تنزيل النموذج التنموي الجديد بعيدا عن منطق الأغلبية والأقلية واعتماد حوار اجتماعي غير تقليدي.
بل ذهب في التشاؤم بيان المجلس الوطني لأحد الأحزاب المعارضة التي كانت توصف سابقا ب"الإدارية" إلى وصف العمل الحكومي للحكومة الحالية ب" الهيمنة السياسية وعودة سياسة الحزب الوحيد إلى المغرب بتمظهرات جديدة مركزيا وجهويا ومحليا، وهو ما يمس بجوهر التعددية السياسية، ولا يترجم مختلف الحساسيات الفكرية والسياسية التي تخترق المجتمع ".
وخلاصة الأمر، أن النموذج التنموي الجديد أصبح يتراجع رويدا رويدا نحو الوراء، لأنه لم يتم اعتماد خارطة طريقه وإنما تم اعتماد طريق آخر لنموذج آخر ليس بجديد.