شعيب لفريخ
منذ عدة سنوات مضت، تشكل تقارير المجلس الأعلى للحسابات مادة دسمة للصحافة الوطنية، لما تتضمنه من معطيات مفصلة ومضبوطة حول افتحاصات المجلس للتدبير المالي لمختلف المرافق والمؤسسات العمومية ومختلف الاختلالات، لكن بعد مدة من الزمن ترجع الأمور إلى طبيعتها ولا يعرف أي شيء عن مصير الأموال المنهوبة، أما البعض الآخر من المرافق العمومية فلا يصله الافتحاص، وحتى إن وصله فيبقى انتقائيا وجزئيا، ولا يصل إلى العمق ولا إلى المتورطين الحقيقيين.
بالنسبة لرئيس جمعية حماية المال العام محمد الغلوسي، فقد اعتبر في تدوينة منشورة له، " أنه ليست هناك آليات لاسترجاع الأموال المنهوبة وغياب سيادة القانون على الجميع، ويظل المخالفون والمفسدون في منأى عن أية محاسبة مع الإفلات من العقاب، ويستمر ناهبو المال العام في مراكمة الثروة بطرق غير مشروعة وفي تقلد المسؤوليات العمومية من مواقع مختلفة، ويبقى المجتمع مجبرا على تحمل وأداء فاتورة الفساد لتبقى دار لقمان على حالها."
ومن باب التذكير والإشارة، فرغم مرور أكثر من 10 سنوات على صدور دستور 2011 الذي أعطى شأنا كبيرا للمجلس الأعلى للحسابات ووصفه في فصله 147 ’’ بالهيئة العليا لمراقبة المالية العمومية الذي يضمن الدستور استقلاله’’، فإنه وللأسف مازال خاضعا لقانون صادر في سنة 2002 يسمى ’’ مدونة المحاكم المالية’’ وليس’’ المجلس الأعلى للحسابات ’’ كما هو منصوص عليه صراحة في الدستور الجاري به العمل حاليا.
وإذا كان القانون رقم 99.62 المتعلق بالمحاكم المالية الصادر بتاريخ 15.8.2002، قد حدد اختصاصات وتنظيم وتسيير المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات، فإنه حددها كما هو مشار إليه في التقديم وفق الفصلين 26 و58 من دستور 1996 وليس دستور 2011 الحالي.
فتغيير القانون المؤطر لاختصاصات المجلس الأعلى للحسابات من تسمية ’مدونة المحاكم المالية’ الذي كان خاضعا من حيث الصلاحيات لدستور 1996 إلى قانون منظم محين يحمل اسم ’المجلس الأعلى للحسابات ’ وفق تسمية المادة 147 من الدستور وكذا الصلاحيات الجديدة المتضمنة في المادتين 148و149 من دستور 2011، هو ضرورة دستورية.
أما التعديلات التي تضمنها القانون 55.16 فهي تعديلات جزئية ومحدودة ولم تشمل باقي مقتضيات دستور2011.
فالمجلس الأعلى للحسابات بذلك، لا يقوم بوظائفه الدستورية كاملة، من حيث هو مؤسسة للرقابة العليا على المال العام ومراقبة طرق تدبير الشأن العام المالي ومراقبة تنفيذ السياسات العمومية وتقييمها بدرجة أولى وليس هو بمحكمة للسلطة القضائية التي ينبغي التدقيق في شأنها تجنبا لكل خلط.
إن تغيير القانون يجب أن يشمل توسيع صلاحيات المجلس الأعلى للحسابات حسب الدستور، من حيث تتبع وتقييم السياسات والبرامج العمومية وكذا تتبع ومراقبة وتقييم تدبير المرافق العمومية الجهوية والمحلية، وأن يتضمن بعض الأمور مثل آليات استرجاع الأموال المنهوبة.
ويجب أن يتضمن القانون الجديد إدماج مقتضيات المادتين 148و149 من الدستور بشأن دور المجلس الأعلى للحسابات في تقديم المساعدة للبرلمان فيما يتعلق بمراقبة المالية العامة وبوظائف البرلمان في التشريع وفي والمراقبة والتقييم المتعلقة بالمالية العامة والتفاعل مع البرلمان، إضافة إلى مساعدة الحكومة في ميدان اختصاصه، والتنصيص على تولي المجلس الأعلى للحسابات مراقبة حسابات الجهات والجماعات الترابية الأخرى وهيئاتها وكيفية قيامها بتدبير شؤونها.
إن ضعف الموارد البشرية والمادية واللوجستية، لا تمكنه من القيام بدوره الدستوري وتجعله عاجزا عن تتبع وافتحاص مختلف المرافق والمؤسسات العمومية على امتداد مساحة 12 جهة.