"اشترِ الآن وادفع لاحقا".. المغرب يستعد للدخول لعصر التمويل المرن

الاقتصاد الوطني - 27-10-2025

"اشترِ الآن وادفع لاحقا".. المغرب يستعد للدخول لعصر التمويل المرن

اقتصادكم

 

انتشر نموذج "اشترِ الآن وادفع لاحقًا" (Buy Now, Pay Later - BNPL) على نطاق واسع حول العالم، وأصبح يغير تدريجيا طرق الدفع لدى المستهلكين، بينما يدخل المغرب بدوره في هذا المسار، مدفوعا بنمو شركات التكنولوجيا المالية (Fintech) وانفتاح بنك المغرب على الابتكار.

وُلد هذا النموذج في العقد الثاني من الألفية مع شركات رائدة مثل Klarna في السويد، Afterpay في أستراليا، وAffirm في الولايات المتحدة. وقد أصبح نموذج الشراء الآن والدفع لاحقًا بديلاً جذابًا للقروض الاستهلاكية التقليدية.

فمبدؤه بسيط: تمكين الزبون من تسديد ثمن مشترياته على أقساط متعددة، من دون فوائد أو رسوم خفية، وغالبا مباشرة من موقع التجارة الإلكترونية أو من نقطة البيع.

على الصعيد الدولي، أصبح الدفع بالتقسيط أحد المحركات الأكثر ديناميكية في التجارة الرقمية. فبحسب بيانات Worldpay، ارتفعت المعاملات التي تتم عبر BNPL بنسبة 34% خلال عام واحد، لتُمثل اليوم 9.1% من إجمالي المدفوعات التي يديرها Worldpay، وذلك على حساب المدفوعات عبر البطاقات البنكية التقليدية.

في أوروبا، وصلت حصة الدفع بالتقسيط من المعاملات الرقمية إلى 18.4%، تتصدرها المملكة المتحدة وألمانيا، وعموما، تمثل وسائل الدفع البديلة 36% من إجمالي حجم المعاملات عالميًا.

ويُلاحظ أن هذا الاتجاه العالمي مدفوع بالشباب؛ فـ66% من جيل الألفية و47% من الجيل Z يفضلون هذا النمط من الدفع لمشترياتهم، أما في المغرب، فتُظهر دراسة Mastercard New Payments Index أن 74% من المستهلكين المغاربة يعرفون مفهوم "اشترِ الآن وادفع لاحقًا"، بينما 39% يشعرون بالارتياح لاستخدامه، و10% استخدموه فعلاً، خاصة من بين الأجيال الشابة الأكثر إقبالاً على الحلول الرقمية، وهذا يؤكد إمكانات نمو كبيرة للسوق الوطني، خصوصًا في ظل تزايد الثقة في أنظمة الدفع الرقمية.

لكن مبدأ الدفع المؤجل ليس غريبًا عن الثقافة المغربية؛ فهو موجود منذ القدم في متاجر القرب أو بين الأفراد ضمن علاقات الثقة غير أنه كان يتم بشكل غير رسمي، دون إطار قانوني أو تكنولوجي ينظمه.
وهنا يأتي دور Alya، أول شركة تكنولوجيا مالية مغربية تقدم حلاً للدفع بالتقسيط بدون فوائد أو رسوم، ومرخصة من بنك المغرب.

وقال إبراهيم زيد، مؤسس ومدير الشركة، في حوار مع جريدة "Finances news hebdo ":
"الدفع بالتقسيط ليس جديدًا في المغرب، بل هو جزء من عاداتنا منذ زمن. ما تفعله Alya هو تقنين هذه الممارسة وتأمينها بفضل التكنولوجيا وتنظيم بنك المغرب."

ويستند نظام Alya إلى بنية رقمية سريعة ومتوافقة مع معايير البنك المركزي، حيث يحصل التاجر على أمواله فورًا، بينما يتمتع الزبون بجدول سداد واضح دون أي تكاليف إضافية.

وأضاف زيد:"المغاربة جاهزون؛ هم معتادون أصلًا على الدفع على دفعات، لكنهم يريدون ذلك بطريقة بسيطة وآمنة ومعترف بها." وبهذا الشكل، تعمل Alya كطرف ثالث موثوق بين التاجر والزبون، وتساهم في نشر ثقافة الشفافية في أنظمة الدفع.

توازن بين الابتكار والاستقرار

ويعتمد تطور الدفع بالتقسيط في المغرب على إطار تنظيمي متين، حيث يلعب بنك المغرب دورًا محوريًا في تحقيق التوازن بين الابتكار والحذر المالي، حيث يؤكد زيد:"نحن محظوظون بوجود هيئة تنظيمية تفهم تحديات الابتكار المالي، وتعتمد مقاربة واقعية وتدريجية."

ومنذ تأسيسه عام 1959، حافظ بنك المغرب على استقرار النظام المالي الذي استطاع تجاوز الأزمات العالمية الكبرى دون ضرر يُذكر، بيد أن إنشاء مركز المغرب للتكنولوجيا المالية (Morocco Fintech Center) ومنح الترخيص لشركة Alya يعكسان إرادة حقيقية في تحديث القطاع المالي.

وأشار المتحدث ذاته إلى أن الأولوية اليوم هي مواءمة التشريعات مع وتيرة الابتكار، خصوصًا في ما يتعلق بـ البيانات المالية وواجهات برمجة التطبيقات (APIs) والتمويل المفتوح (Open Finance)، من أجل تمكين تقييم فوري للمخاطر.

ومع تطور التجارة الإلكترونية وانتشار المدفوعات الرقمية، قد يصبح نموذج "اشترِ الآن وادفع لاحقًا" معيارًا جديدًا في تجارة التقسيط بالمغرب، لأنه يجعل بعض المشتريات أكثر سهولة في الوصول، ويُعزز الثقة بين التجار والزبناء.