اقتصادكم
كشف حمزة السعودي، خبير اقتصادي بمركز السياسات من أجل الجنوب الجديد، عن وجود خلط بين تعميم الحماية الاجتماعية وتعميم التأمين الإجباري على المرض "أمو"، موضحا أن لإحداث السجل الاجتماعي الموحد أهمية قصوى في نجاح ورش "الحماية الاجتماعية"، على اعتباره أداة إحصائية تسمح مع مرور الوقت بتحديد دينامي للفقراء والمعوزين، الذين سيستفيدون من برامج المساعدة الاجتماعية، مشددا في حوار تم تعميمه من قبل المركز، على أن تحدي تعميم الحماية الاجتماعية مطروح على الصعيد العالمي، وليس تحديا خاصا بالاقتصاد الوطني، مشيرا في السياق ذاته، إلى أنه رغم الجهود المبذولة في مجال توسيع نطاق الحماية الاجتماعية، ما يزال حوالي 4 ملايير شخص على الصعيد العالمي دون أي نظام للحماية الاجتماعية.
ما المقصود في الوقت الراهن بتعميم الحماية الاجتماعية، وأي علاقة لها بالتأمين على المرض؟
بالفعل، في كثير من الحالات، ثمة ميل إلى الخلط بين تعميم الحماية الاجتماعية وتعميم التأمين على المرض "أمو". وهناك أيضا ميل في بعض الأحيان إلى حصرها في فئة معينة، سواء تعلق الأمر بالعمال أو بالفقراء والمعوزين. في الواقع، الحماية الاجتماعية مفهوم أوسع بكثير، ويجب أن يغطي من جهة جميع السكان، ومن جهة أخرى جميع المخاطر وحالات الطوارئ التي يمكن لأفراد مجتمع أن يتعرضوا لها خلال مختلف مراحل حياتهم، من الولادة إلى الوفاة. أما بالنسبة إلى تعريف الحماية الاجتماعية، فيتعلق الأمر بمجموعة من الآليات والبرامج الرامية إلى حماية السكان المستفيدين من المخاطر، التي يمكن أن يتعرضوا لها خلال مختلف مراحل حياتهم.
وتشمل هذه المخاطر المرض أو العجز، وكذا الأخطار المرتبطة بالأسرة، والتي تشمل مثلا الأمومة والطفولة والشباب، والمخاطر المتعلقة بسوق الشغل، أي البطالة أو فقدان العمل، إلى جانب المخاطر ذات الصلة بالأمراض المهنية والتي تغطي حوادث الشغل، والمخاطر ذات الصلة بالشيخوخة أو فقدان الاستقلالية، إضافة إلى الإعاقة والفقر والهشاشة والاقصاء الاجتماعي...
لذلك، عندما نتحدث عن تعميم الحماية الاجتماعية، فإننا نقصد توسيع نطاق تغطيتها بما يشمل عامة السكان والمخاطر السالفة الذكر كلها.
ما هي تحديات تعميم الحماية الاجتماعية في المغرب؟
تجدر الإشارة في البداية إلى أن تحدي تعميم الحماية الاجتماعية مطروح على الصعيد العالمي، وليس تحديا خاصا بالاقتصاد الوطني. حاليا، ورغم الجهود المبذولة في مجال توسيع نطاق الحماية الاجتماعية، ما يزال حوالي 4 ملايير شخص على الصعيد العالمي دون أي نظام للحماية الاجتماعية.
وبالعودة إلى سؤالكم، وبالنسبة لحالة المغرب، يتعين على الحكومة في نظري، مواجهة ثلاث تحديات رئيسية كبرى لإنجاح هذا الورش الملكي، ذي الأهمية القصوى بالنسبة إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية في بلادنا.
ويتثمل التحدي الأول في التغطية. ونذكر في هذا الصدد أن تعميم الحماية الاجتماعية في المغرب أمر يستلزم تعميم التأمين الإجباري على المرض على 22 مليون مستفيد إضافي، وتعميم التعويضات الأسرية لما يقرب 7 ملايين طفل في سن التمدرس، وزيادة عدد المستفيدين من معاشات التقاعد بنحو 5 ملايين مستفيد إضافي. ويعد توسيع نطاق الحماية الاجتماعية لتغطية هؤلاء المستفيدين الجدد، ودمجهم في نظام الحماية الاجتماعية الجديد تحديا كبيرا.
ويكتسي إحداث السجل الاجتماعي الموحد أهمية قصوى في نجاح هذا الورش، على اعتباره أداة إحصائية تسمح مع مرور الوقت بتحديد دينامي للفقراء والمعوزين، الذين سيستفيدون من برامج المساعدة الاجتماعية.
علاوة على ذلك، وبغض النظر عن تعميم الحق في الوصول إلى الحماية الاجتماعية، ينبغي تشجيع العاملين في القطاع غير المهيكل والمستقلين للانضمام الى النظام والانخراط لإنجاح هذا الورش الضخم،
ويتعلق التحدي الثاني بالقدرة على تقديم خدمات ذات جودة وسد الثغرات القائمة التي يعاني منها النظام الوطني للحماية الاجتماعية، فيما يخص الجودة والعدالة والمساواة في التغطية ضد المخاطر في أوساط المستفيدين المنتمين إلى القطاع المهيكل، وفيما يهم التوزيع الإقليمي للموارد البشرية والبنية التحتية بالنسبة للخدمات الصحية وملاءمة أنظمة الحماية الاجتماعية وشموليتها وآليات الاستهداف والتنسيق بين مختلف البرامج.
وتجدر الإشارة هنا مثلا، إلى وجود 100 برنامج للمساعدة الاجتماعية تقريبا، وأن لكل واحد منها وسائل استهداف خاصة به، ما يقلل من نجاعة الاستهداف، ويؤدي أحيانا إلى إقصاء أشخاص من المفترض أن يستفيدوا منها، وأحيانا إلى استفادة بعض الفئات غير المعنية من هذه المساعدات. وسيسمح إحداث السجل الاجتماعي الموحد بالتصدي لهذا المشكل.
ويكمن التحدي الثالث في القدرة على ضمان استدامة واستمرارية تمويل أنظمة الحماية الاجتماعية المذكورة.
كيف نضمن نجاح ورش تعميم الحماية الاجتماعية؟
تنبغي الإشارة أولا إلى أن نجاح تعميم الحماية الاجتماعية ورش واسع النطاق وشديد التعقيد، وأن من الواجب أن ترافقه مجموعة من الإصلاحات البنيوية المهمة على الصعيد الجبائي والاجتماعي والانتاجي. ويمكن تحقيق هدف تعميم الحماية الاجتماعية عبر آليتين رئيسيتين: الجزء الخاص بالضمان الاجتماعي، الذي يتم تمويله عبر المساهمات، والجزء الذي لا يقوم على المساهمات، أي المساعدة الاجتماعية.
بالنسبة للجزء الذي يتم تمويله من خلال المساهمات، ينبغي من جهة تنشيط جهود إحداث مناصب شغل ذات جودة ومن جهة أخرى هيكلة الاقتصاد غير المهيكل، وهما تحديان كبيران يواجهان الاقتصاد الوطني. ويمكن للسياسات الرامية إلى تقوية جاذبية القطاع المهكيل، ولاسيما عبر توفير حماية اجتماعية أفضل، أن تساهم في مكافحة الاقتصاد غير المهكيل وفي تحفيز شريحة عريضة من العمال المستقلين، الذين يبلغ عددهم اليوم في المغرب زهاء 3.5 ملايين شخص، للانضمام بنظام الحماية الاجتماعية القائم على المساهمات.
ولنا في التأمين الإجباري على المرض خير مثال. ففي حالة إصابة شخص ما بمرض في المستقبل، واضافة لعدم توفره على الموارد المالية الكافية، يجب توفر الثقة في كونه سيحصل على العلاج المناسب في مستشفى عمومي على غرار القطاع الخاص. لذلك، تنبغي إعادة تأهيل المستشفى العمومي من حيث الموارد البشرية والبنى التحتية، من أجل تحسين ثقة المواطنين في الأنظمة والمؤسسات المكلفة بالحماية الاجتماعية.
إن هذه الثقة أساسية من أجل تحفيز فاعلين جدد، عمال من القطاع غير المهيكل أو من المستقلين، على الانضمام إلى النظام.
فيما يخص توسيع الحماية الاجتماعية في بعدها غير الإسهامي، يضطلع التضامن بدور أساسي في توسيع نطاقها لتشمل مجموع الفئات الفقيرة والمعوزة. ويستلزم هذا الأمر امتلاك القدرة الفنية على تحديد هذه الفئات بدقة، وهو ما يستوجب مرة أخرى اللجوء إلى السجل الاجتماعي الموحد، الذي أضحى ضرورة ملحة في المغرب. وسيتم تمويل هذه المساعدات الاجتماعية من ميزانية الدولة.
في هذا السياق، يكتسي التفكير في توسيع الوعاء الضريبي أهمية كبيرة من أجل التوسيع العادل للحماية الاجتماعية للجميع، وكذا من أجل تحسين الخدمات التي ستقدم للمواطنين.
وتجدر الإشارة إلى أن نجاح هذا الإصلاح الجبائي رهين بوجود عقد اجتماعي حقيقي وباسترجاع الثقة بين المواطنين والحكومة، لأنه إذا كنا نريد تشجيع الجميع على المساهمة في النظام، فمن الواجب أن يكون المواطنون واثقون من أن هذا المال سيستعمل على أحسن وجه وبطريقة فعالة. دون هذه الثقة ودون التواصل الجيد والشفاف بخصوص البرامج، سيكون من الصعب إقناع شريحة عريضة من المستفيدين الجدد، سيما من القطاع غير المهيكل.
كما يعتبر ترشيد نفقات الدولة، خصوصا الاجتماعية، وتنسيقها والحرص على حكامتها بشكل رشيد على حسن ادارتها أمرا حاسما لضمان استدامة واستمرارية نظام الحماية الاجتماعية. ومن أجل ترشيد النفقات دائما، تنبغي إدارة المساعدات بحذر من أجل توفير هوامش لتمويل الحماية الاجتماعية.
يجب علينا البحث عن التوازن بين ثلاثة أهداف، هي التغطية والجودة الملائمة للخدمات والموارد المالية المناسبة لتمويل هذا الورش الملكي، البالغ الأهمية بالنسبة إلى التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وإنها ليست بمهمة سهلة الإنجاز، ولكنها في الوقت ذاته، ليس بالمستحيلة، وتعد رهينة بتعبئة جميع القوى الحية في بلادنا.
ما هو وضع الحماية الاجتماعية في البلدان الأفريقية؟
يعد تعميم الحماية الاجتماعية اليوم تحديًا رئيسيًا لجميع بلدان القارة. وتظهر أحدث تقديرات منظمة العمل الدولية الأخيرة أن 17 % فقط من سكان أفريقيا يحظون بتغطية أنظمة الحماية الاجتماعية في 2020، مقابل متوسط عالمي يناهز 47 %، ومتوسط يفوق 85 % بالنسبة إل البلدان الأوربية.
ومع ذلك تجدر الإشارة إلى وجود تباينات في واقع الحماية الاجتماعية في أفريقيا، وأن معدلات التغطية تختلف من بلد إلى آخر، ومن منطقة إلى أخرى. إذ يشهد الجنوب الأفريقي أعلى مستويات الحماية الاجتماعية على الصعيد القاري، وتقترب التغطية فيها من المتوسط العالمي بنحو 46 %، مقابل 34 % في شمال أفريقيا، و13 % في غرب أفريقيا، و11 % في وسط وشرق أفريقيا.
ضعف التغطية هذا، يمنع القارة من الاستفادة من مزايا الحماية الاجتماعية، فيما يخص تقليص الفقر والهشاشة والحد من انعدام المساواة، وهيكلة الاقتصاد غير المهيكل، وكذا النمو الشامل.
ويتعين على البلدان الإفريقية استخلاص الدروس والعبر من الأزمات المتتالية من أجل إحداث أنظمة ضمان اجتماعي من شأنها مساعدة السكان على مواجهة مختلف الأزمات والصدمات القادمة، ومن شأنها أيضا، مساعدة بعض الفئات لمواجهة التبعات السلبية لتغير المناخ على الظروف المعيشية، وكذا التخفيف من وقع الصدمة التي ستسببها الثورة التكنولوجية الراهنة على بعض مناصب الشغل، وفي نهاية المطاف, مواكبة التحولات الهيكلية التي ستطال على سوق الشغل.