اقتصادكم - حنان الزيتوني
في عالم يتغير بسرعة ويتطلب دينامية اقتصادية عالية، لم يعد جاذب الاستثمار يقاس فقط بالحوافز المالية أو الإعفاءات الضريبية، بل بقدرة الدولة على توفير رؤية واضحة، ومناخ مؤسساتي فعال، وعدالة في توزيع الفرص.
ومن هذا المنطلق، يعتبر المغرب الميثاق الجديد للاستثمار خطوة استراتيجية لإعادة ضبط أولوياته التنموية، ومعالجة اختلالات الماضي، وفتح آفاق أكثر توازنا وجاذبية على المستويين الوطني والجهوي.
إصلاحات جوهرية
وفي هذا السياق، أوضح عبد الخالق التهامي، أستاذ باحث بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات بالرباط، أن الميثاق الجديد جاء في الأساس لتصحيح الأخطاء التي شابت الميثاق السابق، سواء من حيث تحديد القطاعات المستفيدة أو من حيث ضعف التوزيع المجالي للاستثمارات.
وأضاف التهامي في اتصال مع موقع "اقتصادكم"، أن الوثيقة الجديدة حاولت ضبط المفاهيم المتعلقة بمزايا الاستثمار، وتحديد خصوصيات الشركات المستفيدة، مع التركيز على تشجيع الاستثمار الجهوي عبر إعادة هيكلة مراكز الاستثمار الجهوية، ما يشكل تحولا مؤسساتيا مهما.
عدالة مجالية
وأكد الأستاذ التهامي أن من بين أبرز أهداف هذا الميثاق هو الدفع نحو توزيع أكثر عدلا للاستثمارات على الصعيد الوطني، وتجاوز التركيز التقليدي على المحاور الكبرى. وأشار إلى أن تحديد الاختصاصات وتوضيح من يملك قرار التحفيز، خصوصا بين المستويين المركزي والجهوي، يعد من بين الركائز الجديدة التي جاء بها هذا الميثاق.
وبخصوص تأثير الميثاق على جاذبية المغرب للاستثمار الأجنبي، يرى الأستاذ التهامي أن هذا التأثير لا يمكن اعتباره مباشرا أو نهائيا في الوقت الراهن.
وأكد أن ما نعيشه من دينامية اقتصادية واستثمارية حاليا قد لا يكون كله ناتجا عن الميثاق، بل يرتبط كذلك بعدد من الأوراش المفتوحة والمبادرات التي أطلقتها الدولة في إطار رؤية أوسع، وعلى رأسها مشاريع البنية التحتية 2030.
تداخل السياسات
وأشار التهامي إلى أن هناك تداخلا كبيرا بين السياسات العمومية المختلفة، ما يجعل من الصعب على المحلل الاقتصادي أن يعزل آثار الميثاق الجديد للاستثمار عن باقي البرامج الحكومية.
وأضاف أن التقييم الموضوعي لهذا الميثاق يتطلب وقتا أطول، ومعطيات أكثر نضجا، بالنظر إلى أن بنياته لم تستكمل بعد، كما أن النتائج النهائية للاستراتيجيات الموازية لم تتضح بعد بدورها.
ويرى الأستاذ الباحث أن نجاح الميثاق لا يقاس فقط بعدد المشاريع التي سيجلبها، بل بقدرته على تحقيق توازن جهوي حقيقي، وتسهيل المساطر الإدارية، وتحفيز المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء، ضمن مناخ يسوده الوضوح والتنسيق بين مختلف المتدخلين.
ويبقى الميثاق الجديد للاستثمار في المغرب خطوة هامة نحو بناء اقتصاد أكثر توازنا وجاذبية، لكنه أيضا بداية لمسار طويل يتطلب استمرار الجهود والتقييم الدقيق، فالنجاح الحقيقي لن يتحقق إلا عبر التزام فعلي من جميع الأطراف المعنية، سواء على المستوى المركزي أو الجهوي، لضمان ترجمة هذه الرؤية إلى واقع ملموس يعزز التنمية ويجذب المزيد من الاستثمارات المستدامة، ويخلق فرص عمل تليق بطموحات البلاد ومستقبلها الاقتصادي.