اقتصادكم-حنان الزيتوني
في زمن التحولات المناخية المتسارعة، وتراجع الموارد الطبيعية، أصبحت الزراعة التقليدية غير قادرة على مجابهة التحديات الجديدة، وفي المقابل، تبرز الفلاحة الذكية كأمل واعد لحماية الأمن الغذائي وتحقيق الاستدامة، لكن رغم ضخ ملايين الدراهم في مشاريع الرقمنة والتقنيات المتقدمة، يطرح السؤال نفسه بإلحاح: هل الاستثمارات في الفلاحة الذكية تحقق الأهداف المأمولة، أم أنها مجرد موضة تكنولوجية؟.
ما المقصود بالفلاحة الذكية؟
وفي هذا السياق، قال الخبير الفلاحي رياض وحتيتا: "الفلاحة الذكية لم تعد ترفا، بل ضرورة حتمية في ظل المناخ المتقلب، وهي نمط إنتاجي يعتمد على الرقمنة والذكاء الاصطناعي، عبر أدوات مثل الحساسات، والطائرات المسيرة، وبرامج تتبع صحة التربة والنبات والحيوان، والهدف منها هو تقليل التكاليف وزيادة الإنتاج وضمان الجودة، وكل ذلك بأقل تدخل بشري ممكن".
وأضاف وحتيتا في اتصال مع موقع "اقتصادكم"، "الفلاحة الذكية اليوم تعتبر نقلة نوعية، على سبيل المثال، يمكن استخدام مستشعرات الرطوبة لتحديد كمية المياه اللازمة بدقة، مما يساعد على ترشيد الاستهلاك وعدم هدر الموارد، كما أن هناك طائرات مسيرة تقوم بمسح شامل للضيعات الفلاحية لاكتشاف الأمراض أو نقص العناصر الغذائية، قبل أن تصبح الكارثة واقعة".
الجفاف وتغير المناخ
التغيرات المناخية، حسب الخبير، لم تترك مجالا للاختيار موضحا أن خلال الست سنوات الأخيرة، عرف المغرب موجات جفاف حادة وتعاقب غير معتاد للفصول، وهذه الظروف أدت إلى إضعاف مناعة النباتات والحيوانات، وهو ما جعل من التقنيات الحديثة ضرورة لا غنى عنها، لأنها تساعد الفلاح على اتخاذ القرار في الوقت المناسب، سواء تعلق الأمر بالسقي، أو التسميد، أو العلاج.
وأورد وحتيتا: "من بين أبرز أدوات الفلاحة الذكية نجد مستشعرات الأمراض، برامج تتبع صحة القطيع، وطائرات درون متعددة الطيف، التي تحلل حالة كل شجرة أو نبتة بدقة، ولدينا اليوم تكنولوجيا تمكن من تتبع مسار الأغنام من المزرعة إلى المجازر عبر نظام رقمي دقيق، كما نستخدم الذكاء الاصطناعي في التنبؤ بالأمراض وتوزيع الأسمدة والمبيدات بشكل موضعي ومدروس".
استثمار مكلف
واستطرد الخبير أن هذه التكنولوجيا تتطلب إمكانيات كبيرة مبرزا أن "الاستثمار في الفلاحة الذكية مكلف في البداية، لكنه على المدى المتوسط والبعيد يعد استثمارا رابحا، ووزارة الفلاحة بدأت تدرك أهمية مواكبة هذه الثورة، لكن نحتاج إلى برامج دعم حقيقية ومرافقة للفلاحين الصغار، حتى لا تبقى هذه التقنية حكرا على الضيعات الكبرى".
وأكد وحتيتا، أن المغرب اليوم في موقع الريادة على مستوى القارة: "بفضل الخبرات التي راكمها، أصبح المغرب منصة لنقل التجربة نحو دول إفريقية أخرى مثل السنغال وموريتانيا، نحن نمتلك البنية التحتية والخبرة العلمية، لكن يجب تعزيز القاعدة العلمية والبحث التطبيقي وتكوين جيل جديد من الفلاحين قادر على استعمال هذه الأدوات بفعالية".
وفي ظل تسارع وتيرة التغيرات المناخية وتراجع الموارد، أصبحت الفلاحة الذكية أداة لا غنى عنها لضمان الأمن الغذائي والاستدامة البيئية، ورغم أن الطريق لا يزال طويلا، إلا أن الاستثمار في هذا المجال أصبح ضرورة وطنية، والمطلوب يقول الخبير الفلاحي اليوم هو توفير دعم حقيقي للفلاحين، وتكوين الكفاءات، وتعزيز الشراكات بين الدولة والقطاع الخاص.