اقتصادكم - حنان الزيتوني
تعتبر المقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة العمود الفقري لأي اقتصاد طموح يسعى إلى تحقيق التوازن الاجتماعي والنمو الشامل. لكنها، في السياق الوطني، تبدو وكأنها تخوض معركة غير متكافئة في ظل بيئة يصفها بعض الخبراء بـ"غير المهيأة". فما الذي يعوق فعليا إقلاع هذا النسيج المقاولاتي رغم كثرة البرامج والدعم المعلن؟ وهل يعكس واقع الإفلاس الجماعي لهذه المقاولات فشل السياسات العمومية المتعاقبة؟
واقع مقلق
في هذا السياق، صرح عبد الله الفركي، رئيس الكنفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغيرة والمتوسطة، بأن واقع هذه الشريحة من المقاولات مقلق للغاية، في ظل مؤشرات صادمة تؤكد أن أزيد من 40 ألف مقاولة بصنفيها أعلنت إفلاسها سنة 2024، وهذا فقط فيما يتعلق بالمقاولات ذات الصفة المعنوية، بينما يتجاوز الرقم بكثير إذا ما احتسبت المقاولات الفردية.
وأكد الفركي في اتصال مع موقع "اقتصادكم"، أن المقاولات الصغيرة تعاني من التهميش، نتيجة غياب بيئة داعمة حقيقية داخل المنظومة الاقتصادية المغربية. فحسب قوله، تمنح القوانين المعمول بها الأفضلية والامتيازات للمقاولات الكبرى، التي لا تمثل سوى نسبة قليلة من النسيج الاقتصادي، في مقابل تهميش شامل للمقاولات الصغيرة والمتوسطة.
برامج لم تفلح
وتابع الفركي أن مختلف البرامج الحكومية التي أطلقت خلال العقود الأخيرة لم تنجح في تحقيق الأهداف المرجوة. سواء تعلق الأمر ببرامج “المقاولين الشباب” في التسعينات، أو “مقاولتي”، أو حتى البرامج الأحدث مثل “انطلاقة” و”فرصة”، فإن معظمها افتقر إلى المواكبة الجدية والفعالة، وهو ما جعلها لا ترقى إلى طموحات الشباب والمقاولين الجدد.
وأورد أيضا أن برنامج “Innov Invest”، الذي أطلق بشراكة مع البنك الدولي بغلاف مالي قدره 50 مليون دولار سنة 2015، لم يحدث التأثير المنتظر، بسبب غياب رؤية مندمجة واستراتيجية واضحة تدعم المقاولات الناشئة فعليا على أرض الواقع.
تأخر في التصنيف الإفريقي
وأشار الفركي إلى أن المغرب لا يزال يحتل المرتبة الخامسة إفريقيا في مجال ريادة الأعمال والمقاولات الناشئة، خلف دول مثل كينيا، نيجيريا، مصر، وجنوب إفريقيا، ما يعكس حجم التأخر الذي يعانيه هذا القطاع.
واعتبر المتحدث ذاته، أن هذا التصنيف هو نتيجة طبيعية لغياب سياسات حقيقية تشجع الابتكار وتوفر الدعم اللازم للمبادرات الشابة.
خارطة طريق للإصلاح
وللخروج من هذه الوضعية، دعا الفركي إلى ضرورة إحداث إصلاحات جوهرية تشمل: إرساء آليات تمويل طويلة الأمد مع مواكبة تقنية في السنوات الأولى؛ تمكين المقاولات الصغرى من ولوج الطلبيات العمومية بشكل عادل وشفاف؛ إقرار تسهيلات ضريبية وتبسيط الإجراءات الإدارية؛ تطوير برامج تكوين في ريادة الأعمال والابتكار تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، كذلك الاستثمار في العقار الصناعي والبنية التحتية الداعمة.
وطالب عبد الله الفركي بتعبئة سياسية ومؤسساتية شاملة لدعم المقاولات الصغيرة، قائلا: “لا نحتاج إلى شعارات أو مؤتمرات، بل إلى إرادة حقيقية تنقل هذه المقاولات من الهشاشة إلى الاستدامة. المغرب يزخر بطاقات بشرية هائلة، لكن بدون بيئة حاضنة، سيبقى النزيف مستمرا، وستظل فرص التنمية مهدورة".