اقتصادكم - أسامة الداودي
قبيل أسابيع من انطلاق نهائيات كأس أمم إفريقيا بالمغرب، يترقب الفاعلون في القطاع السياحي الأثر الاقتصادي والسياحي لهذا الحدث القاري الكبير، باعتباره فرصة لإبراز جاذبية المملكة وتنشيط مختلف وجهاتها السياحية.
وبين مدن ستحتضن المباريات وأخرى لن تستضيفها، يظلّ السؤال المطروح حول كيفية استفادة جميع الجهات المغربية من “كان 2025”، خاصة على المستويين السياحي والاقتصادي، في ظل الزخم الذي يرافق التحضيرات للبطولة.
وفي هذا الصدد، أبرز الخبير في القطاع السياحي، سعيد الطاهري، في تصريح لموقع "اقتصادكم"، أن عدداً من المدن المغربية التي لن تحتضن مباريات كأس إفريقيا للأمم 2025 يمكنها الاستفادة بشكل غير مباشر من هذا الحدث القاري عبر تنظيم فعاليات موازية مثل فضاءات “Fan Zones”، والمهرجانات الثقافية والعروض الفنية المرتبطة بالبطولة.
كما يمكن لهذه المدن، حسب الطاهري، "أن تستقطب جزءاً من الطلب الفندقي في حال امتلاء المدن الرئيسية، خاصة تلك القريبة جغرافيًا كالجديدة، والمحمدية، ومكناس، والصويرة، فضلاً عن إمكانية تنظيم رحلات لزوار المغرب بعد مباريات منتخباتهم".
ونبه الطاهري إلى أن الأثر الإيجابي سيمتد إلى الاقتصاد الوطني ككل، بتحريك قطاعات النقل، والتجارة، والإعلام، والإشهار، مؤكداً أن هذه البطولة ستعزز الهوية الموحدة للمغرب وتوزّع المنافع الاقتصادية على مختلف الجهات، خاصة في ظل ارتباطها الزمني بالتحضير لكأس العالم 2030، ما سيؤسس لحركية سياحية مستدامة تمتد لما بعد الحدث القاري.
وفي ما يتعلق بالتحديات التي قد تواجه القطاع السياحي أثناء استضافة البطولة، أوضح الخبير السياحي أن هناك عدداً من الإكراهات التي تستوجب إدارة ذكية ومبتكرة.
وأبرز أن الضغط على الطاقة الفندقية يعد من أبرز هذه التحديات، وهو ما يتطلب تنويع العرض السياحي من خلال اعتماد الشقق ودور الضيافة والكراء القصير المدى المرخّص.
كما أشار إلى أهمية تحسين النقل بين المدن عبر تنسيق الجداول وتوفير حافلات خاصة للمشجعين، مع ضرورة ضبط الأسعار وضمان جودة الخدمات بآليات رقمية تعتمد المراقبة الإلكترونية وإطلاق منصات لتلقي الشكايات بشكل فوري.
وأضاف الطاهري أن التواصل متعدد اللغات يمثل تحدياً آخر، مما يستدعي تطوير تطبيقات رقمية مخصصة للمشجعين تحتوي على الخرائط، والتذاكر، والإرشادات السياحية.
ولفت إلى أن التحدي الأكبر يكمن في ضمان تجربة سياحية “سلسة وذكية”، تترك انطباعا إيجابيا دائمًا يعزز صورة المغرب كوجهة سياحية رائدة في إفريقيا والعالم المتوسطي.
أما بخصوص الفرص الاستثمارية التي تتيحها البطولة للمستثمرين في قطاع السياحة والضيافة، فقد أكد الخبير السياحي سعيد الطاهري أن بطولة “كان 2025” تمثل رافعة حقيقية للاستثمار في المغرب، مشيرًا إلى أن القطاع الخاص أمام فرصة استثنائية ناتجة عن الارتفاع المتوقع في الطلب على الفنادق المتوسطة (3 و4 نجوم) وبيوت الضيافة القريبة من الملاعب.
كما أشار إلى أن مخطط توسيع شبكة الخطوط الملكية المغربية، الذي يهدف إلى رفع أسطول الشركة إلى 200 طائرة بحلول 2037، سيسهم في تعزيز الربط الجوي وتوسيع فرص الاستثمار السياحي.
وأضاف الطاهري أن مشاريع البنية التحتية الكبرى، مثل توسيع مطار الدار البيضاء إلى طاقة استيعابية تبلغ 35 مليون مسافر سنوياً وتطوير خطوط القطار فائق السرعة، ستحدث تحوّلا دائماً في العرض السياحي الوطني، مؤكداً "أن هذه الاستثمارات لن تكون مؤقتة، بل ستخدم أيضاً استعدادات المغرب لمونديال 2030 وتعزز تدفق الاستثمارات الأجنبية" على حد تعبيره.
وفي سياق متصل، شدّد الخبير في القطاع السياحي على أن كأس إفريقيا للأمم 2025 ليست مجرد منافسة رياضية، بل تعد منصة استراتيجية لتسويق الهوية المغربية وترسيخ صورة البلاد كوجهة تجمع بين الثقافة، الرياضة، وحسن الضيافة.
وأبرز أن الزائر الإفريقي أو الأوروبي الذي سيحضر مباريات البطولة في مدن مثل مراكش أو فاس، سيجد نفسه أمام تجربة ثقافية غنية تتجلى في المآثر التاريخية والأسواق التقليدية والمطبخ المغربي والفنون المحلية.
كما لفت إلى أن التغطية الإعلامية العالمية المتوقعة، والتي ستتجاوز أكثر من 600 قناة وموقع، ستجعل من المغرب واجهة للقارة الإفريقية ومركزاً للضيافة المتوسطية.
واعتبر الطاهري أن هذه الصورة تنسجم تماماً مع رؤية المغرب السياحية 2030، التي تروم استقطاب 26 مليون سائح وجعل البلاد ضمن أفضل عشر وجهات سياحية صاعدة في العالم.
وأوضح الطاهري أن تنظيم كأس إفريقيا للأمم 2025 يأتي في مرحلة حاسمة من تطور القطاع السياحي المغربي، بعد أن حقّق سنة 2024 رقماً قياسياً ببلوغ 17.4 مليون سائح ومداخيل قاربت 112 مليار درهم، متوقعاً أن يتجاوز العدد 18 مليون زائر قبل نهاية 2025.
وواصل أن البطولة ستعزز هذه الدينامية، إذ يُرتقب أن تستقبل المدن المستضيفة من قبيل الرباط، الدار البيضاء، مراكش، طنجة، فاس، وأكادير، أكثر من 500 ألف زائر إضافي خلال أسابيع المنافسة، مما سيرفع نسب الملء الفندقي إلى ما بين 90 و95% في الذروة.
كما أشار إلى أن قطاع النقل سيستفيد من مشاريع توسيع المطارات إلى طاقة استيعابية تبلغ 80 مليون مسافر بحلول 2030، إلى جانب تطوير شبكة القطار السريع نحو مراكش.
وختم الخبير تصريحه بالتأكيد بأن البطولة ستكون اختباراً عملياً للبنية السياحية المغربية وفرصة لتوزيع النشاط السياحي على موسم منخفض عادة في هذه الفترة من السنة، بما يعزز استدامة القطاع ويقوي مكانة المغرب كوجهة عالمية متكاملة.