اقتصادكم
تراجع صافي تدفق الاستثمارات المغربية المباشرة بالخارج بنسبة 23.2% ليصل إلى 6.05 مليار درهم، حسبما أفاد به مكتب الصرف في نشرته الأخيرة حول المؤشرات الشهرية للمبادلات الخارجية، مما يعكس تحديات اقتصادية وظرفية تواجه المقاولات المغربية، التي أثرت على قدرتها على توسيع أنشطتها الاستثمارية خارج الوطن.
يرى يوسف كراوي الفيلالي، رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، أن هذا الانخفاض يعكس الصعوبات التي تواجهها المقاولات المغربية، سيما الصغيرة والصغيرة جدًا، وحتى المتوسطة، وأوضح أن ضعف اندماج هذه المقاولات في سلاسل الإنتاج الدولية وارتفاع معدل إفلاس الشركات بأكثر من 13% في دجنبر 2023 إلى دجنبر 2024 رفع من حدة الأزمة.
اقرأ أيضا : تراجع صافي تدفق الاستثمارات المغربية المباشرة بالخارج بـ23,2%
وأضاف الفيلالي، في تصريح لموقع "اقتصادكم"، أن الضغوط المالية التي تواجهها المقاولات، خصوصًا فيما يتعلق بالنفقات التشغيلية والتسييرية، منعتها من التوجه نحو الاستثمار الخارجي، كما أن الشركات المتوسطة والكبيرة، على الرغم من توفرها على إمكانيات مالية، فضلت تأجيل مشاريعها الاستثمارية بسبب الظروف الاقتصادية العالمية، وارتفاع أسعار المواد الأولية، إلى جانب الضبابية الجيوسياسية الناتجة عن سياسات الإدارة الأمريكية السابقة، والتوترات في الشرق الأوسط، واستمرار الحرب الروسية الأوكرانية.
توجه استثماري جديد أم ظرفية مؤقتة؟
على ضوء هذه المعطيات، يؤكد الفيلالي، أن التراجع المسجل لا يعكس أي تحول استراتيجي في توجهات الاستثمار المغربي، بل هو نتيجة طبيعية لظروف اقتصادية وجيوسياسية غير مستقرة، وأشار إلى أن العديد من الشركات المغربية التي كانت تنشط بقوة في القارة الأفريقية فضلت تأجيل استثماراتها المخطط لها حتى 2025 أو السنوات التي تليها، انتظارا لوضوح الرؤية حول الوضع الاقتصادي والسياسي العالمي.
ورغم ذلك، توقع الخبير الاقتصادي أن يتحسن تدفق الاستثمارات المغربية بالخارج خلال الأشهر المقبلة، خاصة مع ظهور مؤشرات إيجابية، مثل تحسن الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وتوجه الإدارة الأمريكية نحو إيجاد حلول للحرب الروسية الأوكرانية، وكل هذه العوامل قد تعيد الثقة إلى المستثمرين المغاربة وتدفعهم إلى إعادة تفعيل مشاريعهم الخارجية.
تأثير محدود مقارنة بتراجع الاستثمارات الداخلية
بالنظر إلى هذه التحديات، من المتوقع أن يؤثر انخفاض الاستثمارات الخارجية على الاقتصاد الوطني، لكن بنسب متفاوتة، فتوسع الشركات المغربية بالخارج يسهم في تحقيق أرباح تعود إلى المغرب، مما يعزز احتياطي العملة الصعبة، ومع ذلك، يشير الفيلالي، إلى أن التأثير سيظل محدودًا مقارنة بتراجع الاستثمارات الداخلية، إذ أن الاستثمارات الخارجية لا ترتبط مباشرة بالإنتاج المحلي.
وفي هذا السياق، شدد المتحدث ذاته، على أهمية دعم الحكومة للمقاولات المغربية التي تنشط في القطاعات الواعدة، مثل القطاع البنكي والخدماتي، إذ تمتلك البنوك المغربية حضور قوي في أفريقيا، ويمكنها التوسع إلى أسواق جديدة كأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط، ويؤكد أن تشجيع الشركات المغربية على التحول إلى شركات متعددة الجنسيات "Multinationales" يمكن أن يعزز تدفق الأرباح والعائدات إلى المغرب، مما يسهم في دعم الاقتصاد الوطني، ولهذا، من الضروري أن توفر الحكومة تسهيلات تحفيزية، سواء مالية أو إدارية، لتعزيز قدرة المقاولات المغربية على الاستثمار في الأسواق الخارجية.
يبدو أن تراجع صافي تدفق الاستثمارات المغربية المباشرة بالخارج هو نتيجة مباشرة للظروف الاقتصادية والجيوسياسية العالمية، وليس تحولًا في السياسات الاستثمارية، ومع ذلك، فإن التحسن المتوقع في المناخ الاقتصادي الدولي، إلى جانب اتخاذ إجراءات حكومية تحفيزية، قد يسهم في استعادة زخم هذه الاستثمارات خلال الفترة المقبلة. فهل ستتمكن الشركات المغربية من تجاوز هذه التحديات واستعادة مكانتها في الأسواق الخارجية؟