اقتصادكم
رغم أن الحدث الكروي العالمي لسنة 2030 سيجلب للمغرب زخما دوليا واستثمارات ضخمة، إلا أن الرهان الأكبر يظل في كيفية استثمار هذه المنشآت الرياضية بعد نهاية المنافسات. فالملاعب لا ينبغي أن تبقى مجرد بنيات ضخمة تفتح في المناسبات، بل يفترض أن تتحول إلى مراكز اقتصادية وثقافية نشيطة، تساهم في خلق الثروة وتحريك عجلة التنمية المحلية.
رؤية شمولية لما بعد 2030
وفي تحليله لهذا الورش الوطني، يرى علي الغنبوري، رئيس مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي، أن ضمان المردودية المستدامة للملاعب المغربية يستوجب اعتماد تصور شمولي يدمج الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية، بدل الاقتصار على استغلال موسمي أو ظرفي.
وهو ما أكده في ورقة تنفيذية شاركها مع موقع “اقتصادكم”، حيث قدم مجموعة من المقترحات العملية، تستند إلى تجارب دولية ناجحة وتراعي الخصوصيات الوطنية، بهدف تحويل الملاعب إلى فضاءات منتجة ومندمجة في محيطها المحلي.
مقترحات لضمان المردودية
أولى هذه المقترحات، بحسب الغنبوري، تتمثل في إحداث شركات جهوية لتدبير الملاعب بشراكة بين الدولة والجماعات الترابية والقطاع الخاص، تمنح صلاحيات واسعة لتأجير الفضاءات وتنظيم التظاهرات وتسويق الأنشطة التجارية، وفق دفتر تحملات يربط المسؤولية بالمردودية ويجنب البيروقراطية.
كما دعا إلى اعتماد نموذج “الملعب متعدد الوظائف” (Stadium as a Service)، بحيث يستغل الملعب طيلة السنة في تنظيم حفلات، مهرجانات، معارض، وأنشطة ترفيهية، ما يضمن مداخيل منتظمة ويخلق روافد اقتصادية مرتبطة بالخدمات المحيطة مثل النقل والمطاعم والسياحة.
وأضاف أنه من الضروري إطلاق سياسة ناجعة لتأجير حقوق التسمية التجارية (Naming Rights)، بتمكين الشركات الكبرى من ربط أسمائها بالملاعب في إطار شراكات طويلة الأمد، على غرار ما هو معمول به في كبريات الملاعب العالمية.
وأشار الغنبوري إلى أهمية تأهيل الفرق الوطنية ذات القاعدة الجماهيرية، وتمكينها من الاستقرار في هذه الملاعب، مما يضمن دينامية رياضية واقتصادية أسبوعية من خلال برمجة المباريات والأنشطة المرتبطة بها.
وأورد كذلك ضرورة احتضان أكاديميات ومراكز تكوين تابعة للأندية أو القطاع الخاص داخل محيط الملاعب، مما يضمن استغلال المرافق على مدار الأسبوع، ويحول الملعب إلى مركز للتكوين المجتمعي وليس فقط فرجة رياضية.
ودعا أيضا إلى تحفيز الاستثمار في الخدمات الملحقة بالملاعب كالمقاهي والمتاجر والمرافق الترفيهية، عبر تسهيلات جبائية وتشجيع المقاولات المحلية على الاستفادة من الفرص الاقتصادية المتاحة.
وأكد رئيس مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي، على أهمية خطة تسويق رقمية متكاملة، تشمل إنشاء منصات إلكترونية خاصة بكل ملعب، تتيح الحجز، التتبع، والتفاعل مع الجمهور والمستثمرين، بما يضمن الحضور المستمر في الساحة الرقمية والدولية.
أدوار متكاملة لإنجاح الرؤية
ومن جهة أخرى، شدد علي الغنبوري على أن نجاح أي رؤية تطويرية للملاعب والبنيات الرياضية يظل رهينا بتعبئة جماعية وتكامل فعلي بين مختلف الفاعلين. وفي هذا السياق، حدد خمسة أطراف رئيسية ينتظر منها لعب أدوار محورية، على رأسها الدولة، التي يعهد إليها بتوفير الإطار القانوني الضروري، وتعبئة التمويل، وضمان تنسيق السياسات القطاعية. كما تلعب الجماعات الترابية دورا مركزيا من خلال إدماج الملاعب في مخططاتها المحلية وتهيئة محيطها العمراني والاجتماعي.
وبدوره، ينتظر من القطاع الخاص أن ينخرط عبر الاستثمار والتدبير الاحترافي، إلى جانب الترويج للأنشطة الاقتصادية المرتبطة بالملاعب. أما الأندية الوطنية، فمدعوة إلى الاستقرار الدائم في هذه الفضاءات وتنشيطها من خلال البرمجة الرياضية المنتظمة، بما يمنح الملاعب حياة مستمرة. ولا يقل دور المجتمع المدني والمؤسسات التعليمية أهمية، من خلال تنظيم أنشطة ثقافية وشبابية تضفي على الملاعب بعدا اجتماعيا دائما، وتعزز انخراط الأجيال الجديدة في الفضاءات الرياضية كأماكن للتربية والمواطنة.
واعتبر الغنبوري في النهاية أن مستقبل الملاعب المغربية يجب أن يبنى على رؤية تنموية متكاملة تجعل منها مراكز إنتاج واندماج مجتمعي، تتجاوز الدور التقليدي للفرجة، لتُصبح رافعة حقيقية للاقتصاد المحلي والوطني بعد 2030.