مشروع قانون المالية 2026.. أربع توجهات كبرى لترسيخ "المغرب الصاعد" والدولة الاجتماعية

الاقتصاد الوطني - 20-10-2025

مشروع قانون المالية 2026.. أربع توجهات كبرى لترسيخ "المغرب الصاعد" والدولة الاجتماعية

اقتصادكم - نهاد بجاج 

 

يأتي مشروع قانون المالية لسنة 2026 في سياق اقتصادي واجتماعي دقيق، لكنه يحمل بصمة واضحة في الرؤية والتوجه، إذ يسعى إلى جعل المالية العمومية رافعة للتحول الهيكلي، وليس مجرد أداة لتدبير النفقات. 

من خلال هذا المنظور، يقوم هذا المشروع على أربع توجهات كبرى تشكل مرتكزات السياسة الاقتصادية والاجتماعية للمملكة خلال المرحلة المقبلة، وفق رؤية منسجمة مع التوجيهات الملكية الأخيرة التي أرست معالم "المغرب الصاعد" و"الدولة الاجتماعية".

التوجه الأول: من النمو الاقتصادي إلى "العدالة المجالية والاجتماعية"

يرى محمد أمين سامي، الخبير الإقتصادي، أن مشروع قانون المالية الجديد "يعكس درجة عالية من الدقة في تنزيل الفلسفة الملكية التي تربط بين النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية والمجالية".

وأوضح الخبير الإقتصادي، في تصريح لموقع "اقتصادكم"، أن الرؤية الجديدة تقوم على ربط النمو بالقيمة المضافة المنتجة عبر القطاعات المستقبلية، مثل الهيدروجين الأخضر والاستثمار الخاص، في مقابل الابتعاد عن نموذج الاقتصاد القائم على الموارد التقليدية واليد العاملة الرخيصة.

مؤكدا أن هذا التوجه يشكل انتقالا نحو اقتصاد المعرفة والطاقات الجديدة، في حين تمثل العدالة المجالية والاجتماعية الشرط الأساسي لاستدامة النمو وجاذبية الاستثمار، بما يجعل التنمية شاملة ومتوازنة بين الجهات.

التوجه الثاني: تحفيز الاستثمار الخاص والمقاولات الصغرى والمتوسطة

في هذا السياق، يبرز مشروع القانون إرادة واضحة لتحفيز الاستثمار عبر آليات جديدة تستهدف المقاولات الصغرى والمتوسطة باعتبارها "المشغل الأول في المغرب"، كما أوضح بدر الزاهر الأزرق، خبير قانون الأعمال والاقتصاد.

وأكد خبير قانون الأعمال والاقتصاد، في تصريح لموقع "اقتصادكم"، أن الحكومة تسعى من خلال هذا المشروع إلى إطلاق برامج فعالة لدعم المقاولات الصغيرة والناشئة، سواء عبر المساعدة التقنية أو التمويل الميسر، مع العمل على تبسيط المساطر وتعزيز الشفافية في اختيار المستفيدين.

أما على المستوى الاستراتيجي، فيشير محمد أمين سامي، إلى أن تحفيز الاستثمار في الهيدروجين الأخضر يمثل خطوة نوعية ضمن سياسة المغرب الطاقية، تهدف إلى التحول من التبعية الطاقية إلى السيادة الطاقية، وتحويل المملكة إلى فاعل رئيسي في سوق الطاقة النظيفة العالمي.

التوجه الثالث: 140 مليار درهم لتكريس الدولة الاجتماعية

يعد البعد الاجتماعي أحد أبرز مكونات مشروع قانون المالية الجديد، إذ تم تخصيص 140 مليار درهم لقطاعي الصحة والتعليم، مع إحداث أزيد من 27 ألف منصب شغل في هذين المجالين.

ويرى سامي، أن هذا الاستثمار يشكل نقلة نوعية غير مسبوقة في تاريخ المالية العمومية، ويترجم إرادة سياسية واضحة في إعادة الاعتبار لرأس المال البشري كركيزة أساسية للتنمية.

وفي الاتجاه نفسه، يوضح بدر الزاهر الأزرق، أن تخصيص هذه الاعتمادات يعكس عزم الحكومة على استكمال أوراش إصلاح منظومتي الصحة والتعليم، من خلال بناء مستشفيات جامعية جديدة في الراشيدية وكلميم وأكادير والعيون، وتقوية التكوين في المهن الصحية وشبه الصحية، غير أنه يحذر من أن "زمن الولاية الحكومية قد لا يسمح بترجمة كل هذه المشاريع الطموحة على أرض الواقع"، داعيا إلى وضع برامج متوسطة الأمد تضمن استمرارية الإصلاح بعد سنة 2026.

التوجه الرابع: إصلاح حكامة المالية العمومية وربط الميزانية بالنتائج

يؤكد محمد أمين سامي، أن أحد التحولات الجوهرية في المشروع هو إصلاح الأدوات المالية والمؤسساتية من خلال اعتماد نموذج جديد لـ"تدبير النفقات وفق النتائج والمساءلة"، وهو ما يمثل تحولا من ثقافة الإنفاق إلى ثقافة الأثر.

ويهدف هذا الإصلاح إلى تعزيز الشفافية وكفاءة الإنفاق العمومي، وضمان أن المخصصات الموجهة للصحة والتعليم والاستثمار تترجم إلى أثر ملموس على المواطن وعلى الاقتصاد الوطني.

كما يتوقع أن يسهم إصلاح القانون التنظيمي للمالية والمؤسسات العمومية في إحداث نظام تشغيل مالي جديد، يجعل من المشروع أداة لتفعيل تعاقد جديد بين الدولة والمواطن، قائم على الالتزام، والنتائج، والمساءلة.

يمثل مشروع قانون المالية لسنة 2026 أكثر من مجرد وثيقة مالية، إنه بيان استراتيجي شامل يجسد فلسفة الدولة الاجتماعية ويؤطر الانتقال نحو "المغرب الصاعد"، فهو مشروع يجمع بين الطموح والواقعية، ويراهن على رأس المال البشري والعدالة المجالية كشرطين أساسيين لنمو متوازن ومستدام.

غير أن الرهان الأكبر، كما يؤكد الخبيران، يظل مرتبطا بـ"معركة التنفيذ"، التي تتطلب إرادة قوية، وإدارة فعالة، ومشاركة جماعية من الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني.