بعد التعافي تدريجيا..’’أوميكرون’’ يربك انتعاش السياحة الداخلية

الاقتصاد الوطني - 21-12-2021

بعد التعافي تدريجيا..’’أوميكرون’’ يربك انتعاش السياحة الداخلية

مهدي حبشي 

تتوالى حالات إغلاق الحدود رغم تقدم حملة التلقيح الوطنية ضد فيروس "كورونا" المستجد، بسبب ظهور متغيرات جديدة للفيروس. وكلما حدث ذلك يحبس القطاع السياحي أنفاسه، سيما أن السياحة الداخلية التي راهنت عليها الحكومة منذ العام الماضي لتضميد جراح القطاع، ما زالت عاجزة عن طرح نفسها بديلاً حقيقياً لتدفق السياح الأجانب.

ولا تتوقع "المنظمة العالمية للسياحة" تعافي السياحة الدولية تماماً قبل عام 2024، الذي حددته موعداً للعودة إلى حالة عام 2019، والتي تعد آخر "الحالات العادية" التي شهدها القطاع السياحي في العالم.

وكان التفاؤل قد ساد بين مهنيي السياحة المغاربة بعد نحو عام من الحجر الصحي، بعدما عادت الحياة لتدب في شرايين القطاع تدريجيا، وصارت عطلة رأس السنة الميلادية 2021 موعداً منتظراً لتحقيق الانتعاش. بيد أن الإغلاق الأخير للحدود، الراجع لتفشي متحور "أوميكرون"، أيقظ أشباح الإفلاس والكساد في نفوس المهنيين.

أمام ضبابية الأفق وإمكانية توالي حالات الإغلاق ما لم يتخلص العالم نهائياً من "كورونا"، يرى المختصون أن السبيل الوحيد لإنقاذ القطاع الحيوي هو التعويل على السياحة الداخلية، وإطلاق مبادرات حكومية ومقاولاتية لتحفيز المغاربة على اختيار وجهات سياحية داخل أرض الوطن.

مفارقة.. السياحة الداخلية تكلف المغاربة أكثر من الخارجية

الخبير الاقتصادي محمد الشيكر، يسلط الضوء على مفارقة كون السياحة الداخلية تكلف السائح المغربي أكثر مما تكلفه السياحة الخارجية. "أسبوع من السياحة داخل أرض الوطن، قد يكلف مغربياً نحو 10000 درهم، في وقت لا يكلف سوى 3000 درهم للسائح الأجنبي. ذلك أنه يستفيد من خدمات وكالات الأسفار التي تتفاوض نيابة عنه، وتضمن له خدمات سياحية على أعلى مستوى وبأسعار معقولة".

ويتصور رئيس "مركز عزيز بلال للدراسات والأبحاث" في تصريحه لـ"اقتصادكم" أن ازدواجية معايير الخدمة السياحية في المغرب هذه لا تشجع المغاربة على اختيار وجهات داخلية. وأنه ما إن تستقر ظروفهم الاقتصادية حتى يرجعوا لتفضيل وجهاتهم الخارجية المعتادة، وفي مقدمتها إسبانيا وتركيا، التي تكلفهم أقل بكثير من بعض الوجهات الداخلية.

فكرة يشاطره إياها لحسن حداد، المستشار البرلماني ووزير السياحة الأسبق، الذي يرى أن الحل في تجمع وكالات الأسفار وتأسيسها "مروج رحلات"، بغلاف مالي يتراوح بين 400 و500 مليون درهم. يكون دوره التفاوض مع المؤسسات السياحية من فنادق ووسائل نقل ومطاعم؛ "يمكن مثلا التفاوض مع فندق من أجل شراء جناح لمدة عام كامل بسعر معقول، والشيء نفسه مع مؤسسات النقل والمطعمة، ثم تجميع هذه الخدمات في حزمة واحدة (PACK) وبيعها للزبائن بهامش ربح معقول". 

بهذه الصيغة يتصور حداد في تصريحه لـ"اقتصادكم"، أن الزبون سيستفيد من سعر مناسب، كما ستستفيد المقاولات السياحية من البيع (بالجملة). وهي الصيغة نفسها التي تتيح للسياح الأجانب الحلول بالمغرب بكلفة أدنى من نظرائهم المغاربة.

"توفير السفر" بالنسبة للمستخدمين وتباين العطل المدرسية بين الجهات

وكان لحسن حداد اقترح قبل عام بمجلس النواب قانون "التوفير للسفر"، وهو عبارة عن شيكات خاصة بالعطل لفائدة المستخدمين. بحيث يساهم كل مستخدم بمبلغ مالي شهري، على أن يساهم المشغل بنسبة إضافية، ثم يمنح الشيك للمستخدم في عطلته شريطة عدم صرف قيمته سوى في سبيل خدمات ذات طابع سياحي.

من جهة أخرى تأسف المتحدث بشأن تجربة دخلت حيز التنفيذ سنة 2014، لما كان حداد وزيراً للسياحة، بشراكة مع وزير التربية الوطنية آنذاك رشيد بلمختار، تقضي بتباين فترات العطل بين جهات المملكة، بحيث تكون لكل جهة مواعيد عطل خاصة بها.

ويفسر متحدثنا فائدة هذا الإجراء سياحيا على النحو الآتي: "أثناء العطل المدرسية يكون الطلب مرتفعاً على البنى التحتية السياحية، وبذلك تتضاعف الأسعار ولا تبقى في متناول الجميع. فإذا اقتصرت العطلة مثلا على ثلث المتمدرسين فإن الطلب المنخفض نسبياً سيساهم في خفض الأسعار، ومن ثمة تحفيز شرائح اجتماعية عدة على الولوج إلى السياحة الداخلية". 

جدير بالذكر أن معطيات أخيرة لمكتب الصرف أبانت على أن المغاربة لم يصرفوا سوى 8.73 مليار درهم من أجل السفر إلى خارج المملكة في العشرة أشهر الأولى من عام 2021، وهو أدنى مستوى خلال الفترة المذكورة طيلة الأعوام الخمسة الماضية، بتراجع يناهز 10 مليارات درهم مقارنة بالسنة التي سبقت "كورونا". ما يبرز أن الحاجة إلى السياحة الداخلية متبادلة بين قطاع منكوب بالأزمة، ومواطن تراجعت قدرته على السفر إلى خارج أرض الوطن.

بيد أن السياحة الداخلية لا تغني عن نظيرتها الخارجية، يؤكد حداد، "الطموح هو جعلها تغطي 40 في المئة من مداخيل السياحة". ذلك أن المغرب لا يعتبر سوقاً سياحية ضخمة، كما أن تعداد الطبقة المتوسطة والقدرة الشرائية لا يتيحان طموحات الدول الكبرى التي تعتمد على السياحة الداخلية بنسب تتراوح بين 80 و90 في المئة. 

وكانت نادية فتاح العلوي، وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والنقل الجوي والاقتصاد الاجتماعي سابقاً، اعترفت أمام مجلس النواب أن مشاكل جمة تحول دون تطوير السياحة الداخلية، مضيفة أن الجهود في سبيل ذلك ما تزال خجولة.