ارتفاع أسعار المحروقات سبب رئيسي في غلاء معظم المواد الاستهلاكية
مهدي حبشي
ما زالت ألسِنة الغلاء تزحف على المواد الاستهلاكية الأساسية، محرقة القدرة الشرائية لشريحة واسعة من المغاربة، الذين خرجوا الأسبوع الماضي بعدة مدن احتجاجاً على لهيب الأسعار.
وخرجت احتجاجات بمدينة الدار البيضاء أعقبتها أخرى بمراكش ومكناس وغيرها... توازياً مع غليان مواقع التواصل الاجتماعي على وقع الاستنكار.
وأنشأ نشطاء "السوشل ميديا" مجموعات على فيسبوك تنديداً بالغلاء، داعين للمقاطعة بوصفها آلية لشجبه. كما شاع استخدام هاشتاغ #حارب_الغلاء_بالاستغناء و#لا_للغلاء... وغيرها على كل من فيسبوك وتويتر.
واقع عالمي مرده لـ"كورونا"
التهاب الأسعار واقع عالمي، ذاك أول ما يستخلص من الصحافة العربية والعالمية، بيد أن تقارير تشير كذلك إلى تضرر دول ومناطق من العالم أكثر من غيرها.
وقال تقرير لشبكة franceinfo الفرنسية، إن القطاع الغذائي التهب في فرنسا وسائر الدول الغربية. مورداً أن الأمم المتحدة لاحظت تضخماً نسبته 30 في المئة في أسعار "القفة الغذائية الأساسية"، على الصعيد العالمي، خلال عام واحد.
التقرير ذاته أوضح أن الاستئناف السريع للنشاط الاقتصادي العالمي، مدفوعاً بنسب استهلاك عالية، وبالتالي بطلب مرتفع، عوامل تدفع الأسعار نحو الارتفاع. مضيفاً أن الدول الأكثر تضرراً هي بالضرورة تلك التي تستورد المواد المتضخمة، فتبقى رهينة لأهواء السوق الدولية وأسعارها.
ذلك ما يذهب إليه الخبير في الأسواق المالية، هدّي غريب، الذي عزا الارتفاع للأزمة الاقتصادية الناتجة عن "كورونا"، منبهاً، في تصريح لاقتصادكم، إلى أبعادها: "ما يميز الأزمة الحالية، ويجعلها أخطر من كل سابقاتها أنها أزمة مزدوجة الأبعاد".
ومضى في تفسير قوله: "عادة ما تكون الأزمات الاقتصادية ناتجة عن أحد أمرين؛ إما ارتفاع للعرض وضعف للطلب أو العكس. أما الأزمة الحالية فتتسم بكلا الأمرين في آن واحد؛ من جهة يسجل ضعف في الطلب بسبب تدهور القدرة الشرائية للمستهلكين، بعدما فقد الكثيرون وظائفهم وأفلست مقاولات عدة بسبب الجائحة... وفي الوقت نفسه ثمة عطب في العرض بسبب ندرة وغلاء المواد الأولية".
تقرير آخر لشبكة BBC البريطانية، عدد بقية الأسباب التي تزيد الطين بلة؛ استمرار تفشي وباء "كورونا" ونقص في إنتاج الغاز الطبيعي، مع ارتفاع أسعاره وأسعار النفط.
هل تعود الأسعار لسالف عهدها؟
السؤال الذي يؤرق بال المستهلك المغربي الآن هو "إلى متى؟"، فكلما طال أمد التضخم زاد وجع الجيوب المفجوعة أصلاً بالأزمة.
وحول هذا السؤال تتضارب الآراء والتحليلات؛ إذ ينحو بعضها للقول إن الوضع الراهن مؤقت، وما تلبث الأوضاع أن تعود لسالف عهدها بمجرد تخلص العالم من وباء "كورونا" نهائياً؛ وذاك رأي مؤسسة "غولدمان ساكس" العالمية للخدمات البنكية.
لكن تفاؤل خبراء المؤسسة الأمريكية ليس عاماً، إذ نقلت شبكة "دويتشه فيله" الألمانية، عن الاقتصادي الألماني هنريك مولر قوله إن زمن الوفرة قد ولى إلى غير رجعة. وأن الاقتصاد العالمي دخل نفق الندرة، ذلك أن "توفر المواد التي لا تنتج ضمن المصانع، كالمواد الأولية الطبيعية والأراضي والمياه العذبة... يتراجع سنوياً".
وبين هذا الرأي وذاك، يقع تحليل الرئيس المؤسس للجمعية المغربية للمحللين الماليين، الذي شدد لاقتصادكم على أن قوة الاقتصاد محدد رئيسي لسرعة الانعتاق من الأزمة.
"الاقتصادات العالمية الكبرى؛ كالولايات المتحدة والصين، تسابق الزمن لأجل احتكار موارد المواد الأولية ومصادر الطاقة، وبذلك لها كل المؤهلات للعودة إلى الوضع الطبيعي في وقت أوجز".
ويتابع: "أما بالنسبة للمغرب، بوصفه اقتصاداً نامياً، فالخروج من الأزمة سيتطلب وقتاً أطول". مضيفاً أن الغلاء مرشح للتفاقم في الأسابيع والأشهر القادمة؛ "بل من المرجح أن تشكل الأسعار الحالية مستويات مرجعية لقادم السنوات!".
هل من أسلحة في جعبة الحكومة؟
#أخنوش_إرحل هو الهاشتاغ الأكثر تداولاً على مواقع التواصل الاجتماعي المغربية، فالاحتجاجات تكاد تجمع على تحميل الحكومة مسؤولية الغلاء.
الأخيرة ما انفكت تلقي بكرة اللهب على عاتق الأسعار الدولية، إلا أن في جعبتها تدابير ممكنة للتخفيف من وطأة الوضع على مستهلك مغربي قدرته الشرائية تؤول للتدهور، وفقاً لتقرير أخير للمندوبية السامية للتخطيط.
ويذهب اقتصاديون إلى أن خفض الضريبة على المواد الأساسية، أو تجميدها، أحد التدابير المتاحة للحكومة؛ إسوة بنظيرتها الجزائرية التي عمدت لذلك التدبير منذ أيام.
ويرى الخبير غريب، من جهته، أن ضبط أسعار المحروقات آلية فعالة لرفع الضغط، ولو نسبياً، على أسعار بعض المواد الأساسية والحيوية: "فارتفاع أسعار المحروقات هو المنبع الرئيسي لغلاء المواد الاستهلاكية".
ويضيف: "بعد تقزيم صندوق المقاصة، ورفع الدعم عن المحروقات؛ تمت الإشارة لخلق آلية بديلة للتأمين الدولي، من شأنها تسقيف مستويات ارتفاع أسعار تلك المواد في بعض الحالات الاستثنائية... ولست أرى حالة أكثر استثنائية من التي نعيشها اليوم، تستلزم تفعيل آلية من هذا القبيل".
وفي سياق الحديث عن صندوق المقاصة، يعتبر غريب أن الحكومة لم توفر أي بدائل لدعم الفئات الهشة وذات الدخل المحدود، بعد رفع دعمها الجزئي أو الكلي عن بعض المواد الأساسية.