الدكتور نجيب أقصبي في ضيافة فينونس نيوز ايبدو- خاص
اقتصادكم - شعيب لفريخ
اعتبر الدكتور نجيب أقصبي أن الأزمة التي يمر منها المغرب على مستوى موضوع أزمة الأمن الغذائي هي أزمة حقيقية، ليس فقط بسبب تأثيرات الحرب الأوكرانية، وإنما تجد جدورها كذلك في بعض السياسات الفلاحية التي انتهجها المغرب منذ الستينيات من القرن الماضي، وكذلك بسبب سياسة " مخطط المغرب الأخضر".
وأوضح أقصبي الذي كان يتحدث في حوار أجرته معه الزميلة "فينانس نيوز إيبدو" ، أن السبب الحقيقي في أزمة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، يرجع إلى اعتماد السياسة الفلاحية بالمغرب على "النموذج الفلاحي التصديري"، هذا النموذج الذي تم فيه استثمار موارد وأراضي وإمكانيات ضخمة على المستوى المالي والبشري والمادي والتنظيمي، بدعوى الحصول على العملة الصعبة.
وقد نتج عن هذه السياسة الفلاحية التصديرية، يضيف الدكتور أقصبي، بروز احتياجات غذائية عدة، خاصة تلك التي يستهلكها المغاربة كالحبوب والعديد من المواد التي من بينها الزيوت خاصة تلك التي تعتمد على الحبوب الزيتية، ومادة السكر التي يستهلكها المغاربة بكثرة بحيث أن المغرب يوجد على رأس الدول المستهلكة لمادة السكر منذ مدة.
وقال أقصبي، إن هذه السياسة الفلاحية المبنية على التصدير خلقت واقعا هو أن المغرب لا ينتج ما يحتاج إليه في متطلبات الاستهلاك وحاجياته الغذائية، ومع ذلك ظل يصدر المواد الفلاحية، في الوقت الذي يتزايد فيه حجم الاحتياجات الداخلية.
وأوضح الدكتور أقصبي، أنه على الرغم من ظهور هذه الاختلالات في فترات مختلفة في الثمانينيات والتسعينيات وكذا في بداية الألفية الجديدة، فإن " مخطط المغرب الأخضر" جاء ليضاعف من حجم هذه الاختلالات، علما بأن " مخطط المغرب الأخضر" هو أول مخطط استطاع أن يعبأ إمكانيات وموارد مالية عمومية ضخمة لصالح كبار الفلاحين المستفيدين من سياسة فلاحة التصدير.
وأضاف أقصبي أن "مخطط المغرب " ضاعف من مساحات الأراضي الفلاحية الموجهة لفلاحة التصدير ومن الموارد المائية المستعملة بكثرة، كما طور وضاعف من انتاج المواد الفلاحية الموجهة للتصدير نحو الخارج، وليس لتلبية احتياجات الطلب الداخلي.
وانتقد الدكتور أقصبي بشدة الادعاءات والمقولة التي تقول بأن الأمن الغذائي للمغرب يمكن تحقيقه من خلال التصدير والحصول على العملة الصعبة، معتبرا أن تلك الادعاءات هي بمثابة نصب واحتيال، وأنها ادعاءات لأصحاب المصالح الكبيرة المستفيدة، في الوقت الذي يعتبر فيه الأمن الغذائي وتلبية احتياجات الناس من الحقوق الإنسانية الأساسية.
وأورد الدكتور أقصبي في هذا السياق التقرير الأخير لمكتب الصرف الذي يشير إلى أن حجم الموارد المستوردة من المواد الطرية من الحبوب والذرة والقطاني بلغت 37 مليار درهم في مقابل 26 إلى 27 مليار درهم من المواد المصدرة من الطماطم والفواكه وغيرها، وأن المغرب بذلك سجل عجزا تجاريا بلغ 10 مليار درهم.
واعتبر أقصبي أن هذه السياسة الفلاحية المبنية على التصدير قد اتبثت فشلها وعبثيتها على امتداد عقود، لأنها تستهلك المساحات الشاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة وتستهلك المياه الكثيرة والموارد المالية العمومية الضخمة، وهي لا تتماشى مع تلبية وتوفير الاحتياجات الغذائية الضرورية، فنموذج الاستهلاك بدون انتاج محلي هو نموذج فاشل، وأن الدولة يلزمها التدخل في السياسة الفلاحية لصالح ضمان توفير الإنتاج الغذائي لصالح أغلبية المواطنين وليس لمصلحة أقلية لا يهمها إلا أرباحها الخاصة.
وشدد الدكتور أقصبي على أن موضوع ضمان الغذاء والتغذية ليس كأي موضوع آخر، فهو مرتبط بالسيادة الغذائية للدولة وأن من حق الشعب أن تضمن له الدولة سيادة غذائية، التي لها كلفتها لكنها لا تقدر بثمن.