اقتصادكم - مهدي حبشي
رغم أمطار نهاية الشتاء التي شهدتها المملكة في الأيام القليلة الماضية، مازال كابوس الجفاف يجثو على كاهل الموسم الفلاحي، ما دفع وزارة التجهيز والماء للاستنجاد بتقنية الاستمطار الصناعي "الغيث"، التي يمتلكها المغرب منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي!
وخلال اجتماع للجنة البنايات الأساسية بمجلس النواب، استعرض نزار البركة، وزير التجهيز والماء، أوراق الحكومة في مواجهة امتناع السحب المستمر عن سقي البلاد والعباد، وقد كان في طليعتها تقنية للاستمطار الصناعي يطلق عليها مسمى برنامج "الغيث".
وتعمل التقنية على تلقيح السحب بهدف زيادة منسوب التساقطات، والتي تتراوح، بحسب الوزير، بين 14 و17 في المئة.
"لم يفت الراحل الحسن الثاني بعد تعاقب سنوات الجفاف، بين عامي 1979 و1983، والتي ضرت الاقتصاد المغربي بشدة، أن الأمر قد يتكرر" يقول الباحث في الاقتصاد الفلاحي، العربي الزكدوني، وهو يروي لاقتصادكم قصة ميلاد برنامج "الغيث".
وأضاف المتحدث أن تلك السنوات العسيرة على الفلاحة الوطنية، دفعت الملك الحسن الثاني للاستعانة بأحد خيرة الخبراء الأمريكيين في مجال علم المناخ التاريخي.
وعِلم المناخ التاريخي هو فرع من العلوم المناخية، يهدف إلى دراسة التغيرات التاريخية للمناخ وآثارها على التاريخ الإنساني.
"كان يدعى ستوكتون، وقد طلب منه الملك الراحل دراسة تاريخ الجفاف الذي مر به المغرب عبر آلاف السنين، على أن يرفع إليه تقريراً مفصلاً حول الموضوع" يسترسل الزكدوني.
خاض ستوكتون جولة دراسية على امتداد التراب المغربي، صاحبه فيها أساتذة باحثون من معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، قبل أن يستقبله الملك الراحل لاستعراض نتائج الدراسة.
ساهمت تلك الدراسة في إدراك صناع القرار الفلاحي بالمغرب، وفهمهم لدورة الجفاف ضمن المنطقة التي تتواجد فيها البلاد من الكرة الأرضية. فقرر الملك الراحل إطلاق برنامج "الغيث" سنة 1984، لتحدي الظاهرة الضارة بالاقتصاد الوطني.
ولبرنامج "الغيث" طريقتان في الاشتغال، الأولى عبر عملية أرضية؛ تستخدم فيها مولدات يتم وضعها فوق قمم الجبال، فتعمل على إطلاق مواد كيماوية نحو السحب. بينما تعمل الثانية، وهي عملية جوية، على تلقيح الغيوم بواسطة الطائرات، وذلك ضمن السهول والمناطق المنبسطة.
وقد بوء البرنامج المذكور المغرب مكانة الريادة على المستوى الأفريقي في المجال؛ "التجارب الأولى على التقنية أجريت بتعاون بعض الدول الأفريقية بمنطقة الساحل، كانت بوركينافاسو أولها" يضيف الزكدوني.
وتشير تقارير إلى أن الخبرة المغربية في مجال الاستمطار الصناعي معترف بها على صعيد دولي، كما أن الخبراء المغاربة باتوا مطلوبين في دول أفريقيا جنوب الصحراء، التي تعاني من فترات جفاف مطولة كالسنغال وموريتانيا وغينيا.
ووفقاً لنزار البركة، فمن الممكن اللجوء للتقنية اعتباراً من نونبر إلى أبريل من كل سنة. كما طمأن الوزير إلى كون المواد الكيميائية المستخدمة غير ضارة بالبيئة، وهي "يودير الفضة" بالنسبة للسحب الباردة، و"ملح كلورير الصوديوم" بالنسبة للسحب الدافئة.
مع ذلك، ورغم طمأنة الوزير بشأن الآثار البيئية للتقنية، إلا أن مختصين في المجال يحذرون من خطورة تفاعل المواد الكيميائية المستخدمة في الاستمطار الصناعي. كما يؤكدون أن العملية مكلفة من الناحية المادية، وبالتالي يبقى تأثيرها محدوداً، ولا يمكنه تعويض الموسم الفلاحي عن الجفاف الطبيعي.
يذكر أن نزار البركة كشف عن عدد عمليات برنامج الغيث التي تمت خلال الفترة الممتدة من نونبر إلى دجنبر 2021، والتي لم تتجاوز 5 عمليات جوية و23 عملية أرضية.