ترميم القصبات العتيقة دون المساس بهويتها المعمارية، في صلب مخططات النهوض بالسياحة الثقافية
اقتصادكم – مهدي حبشي
تتجه الحكومة للرهان على الثقافة قصد إنعاش القطاع السياحي المنكوب بأزمة "كورونا". ذلك ما يتضح من التصريحات الأخيرة لرئيسها، عزيز أخنوش، علاوة على وزيرة السياحة، فاطمة الزهراء عمور، اللذين أفردا للسياحة الثقافية حيزاً من خطابهما لغرفتي البرلمان.
وقال أخنوش، في معرض جوابه عن أسئلة الفرق البرلمانية بمجلس النواب، الاثنين الماضي، إن "للثقافة عائدات اقتصادية وتنموية، من خلال الاستثمار في الرأسمال المادي في أبعاده المتعددة للرفع من عائداته المادية في القطاع السياحي".
وأوضح أخنوش أن النهوض بالثقافة، ينعكس بالإيجاب على عائدات العملة الصعبة وخلق مناصب الشغل وتمويل خزينة الدولة بموارد مالية إضافية، مؤكداً أن "النهوض بالقطاع الثقافي خيار استراتيجي" لحكومته.
وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، فاطمة الزهراء عمور، أدركت بدورها أن رصد ملياري درهم، في إطار المخطط الاستعجالي لإنعاش القطاع السياحي، لن يكون كافياً لاستعادة القطاع كامل عافيته، بل خصصت حيزاً من مداخلتها بمجلس المستشارين لطرح تصور الحكومة لخطة الإنعاش، والتي تضمنت النهوض بالسياحة الثقافية.
الثقافة في طليعة غايات السياح..
تصريحات تكشف عن توجه حكومي نحو تنويع العرض السياحي، وعن كون الثقافة كلمة السر لجذب مزيد من السياح خلال السنوات المقبلة وإنعاش القطاع.
ويقصد بالسياحة الثقافية كل نشاط سياحي غايته استكشاف تاريخ وثقافات وتقاليد وفنون وأنماط عيش الوجهة السياحية. كما تشير استطلاعات الرأي إلى كون ذلك من أبرز الدوافع التي توجه خيارات السياح على مستوى الوجهات.
الدكتور صالح شكور، مؤسس ونائب رئيس الجمعية المغربية لخبراء وعلماء السياحة، أبرز في تصريح لـ"اقتصادكم" أهمية السياحة الثقافية بوصفها أعرق الأنماط السياحية قائلاً: "السياحة لها صلة وصل بالثقافة منذ العهود القديمة، إذ إن السفر والتنقل من بلد لآخر لابد وأن يكون له أثر ثقافي، فالسياحة كانت في بدايتها إما للحج، أو لاكتشاف مناطق أو غزوها، أو لجلب تجارب تطور الاقتصاد والحالة المعيشية".
وأضاف: "خير دليل على ذلك هو سياحة السائح الأول ابن بطوطة، الذي غادر وطنه لاكتشاف البلدان الأخرى ونقل إلينا ثقافاتها وعاداتها".
وبالنسبة للزمن الراهن، أكد شكور أن السياحة الثقافية نحو المغرب اكتست منذ بداياتها، في ستينيات القرن الماضي، أهمية قصوى "بحيث كانت الرحالات المبرمجة تخص المدن العتيقة والتاريخية مثل مراكش، الرباط، مكناس وفاس... بهدف اكتشاف المآثر التاريخية، والتراث الثقافي الغني والعادات والحضارات المتنوعة لتلك المدن".
"بيد أن هذا النوع من السياحة لم يتطور قط في المغرب، بل بقي محتشما وكانت الجولات خاطفة وسريعة جداً" وفقاً للخبير في التدبير الفندقي والسياحي.
وعلى الرغم من ذلك، تشير التقديرات إلى أن 80 في المئة من السياح الذين يزورون المغرب منجذبون إليه بفضل غنى موروثه الثقافي.
كما أن استطلاعات رأي أجريت بكل من فرنسا وإسبانيا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة وبلجيكا وهولندا، التي تعد أكبر 7 أسواق سياحية للمغرب، كشفت عن كون اكتشاف ثقافات جديدة هو الدافع الأول للسفر لدى مواطنيها.
جهود مبذولة أجهضتها الجائحة
قبل أن تجهز الجائحة على القطاع السياحي، وضعت الوزارة الوصية "رؤية 2020" للسياحة المغربية، وكان من أبرز تفاصيلها اتخاذ تدابير لتثمين الموروث الثقافي المادي واللامادي للمغرب.
وخلال حديثها بمجلس المستشارين، أكدت وزيرة السياحة فاطمة الزهراء عمور، أن المغرب ماضِ في برنامج تثمين 8 مدن عتيقة، يتعلق الأمر بمراكش، الصويرة، فاس، مكناس، الرباط، سلا، تطوان، وطنجة. كما وضع برنامجاً يهدف إلى تحويل القصور إلى فنادق أَصِيلَة، وآخر لتنويع العروض السياحية لمدينة ورززات.
يتعلق الأمر ببرنامج "التراث والموروث"، الذي "يعمل على إعادة تأهيل المآثر التاريخية للمغرب، دون المساس بهويتها المعمارية، وخلق مدارات سياحية بالمدن العتيقة للمدن الكبرى للمملكة". وفقاً للموقع الرسمي لوزارة السياحة.
كما يروم البرنامج خلق شركة لتثمين التراث، بغية استغلال الإرث المعماري للملكة: (قصبات، قصور، رياضات، فنادق، قصور للضيافة، إلخ) وتحويلها لإقامات أصيلة، وتوزيعها على مجموع التراب الوطني لخلق شبكة من المؤسسات المصنفة تستجيب للمعايير الدولية.
وفي سياق متصل، أولى رئيس الحكومة اهتماماً خاصاً بالمتاحف، باعتبارها ركيزة أساسية للسياحة الثقافية، إذ أعلن في خطابه البرلماني إحداث علامة “تميز”، التي ستمنحها المؤسسة الوطنية للمتاحف لأصحاب المتاحف الخاصة وفق دفتر تحملات.
وسيخول الحصول على هذه العلامة الاستفادة من إعانات مالية تمنحها الدولة أو الجماعات الترابية للمتاحف، كما يمكن إدراج المتحف الحاصل عليها ضمن المسارات السياحية المبرمجة لفائدة السياح، وكذا الاستفادة من نظام ضريبي تحفيزي.
"بلد محظوظ" بموروث ثقافي غني ينتظر التثمين..
من جهته، يرى صالح شكور، إنه من الضروري للنهوض بهذا النوع من السياحة، إحياء بعض المآثر التاريخية كليكسوس، الوداية، شالة، مآثر السعديين بمراكش والعلويين بالريصاني، فضلاً عن مآثر البرتغال والفينيقيين في مدن الجديدة والصويرة وغيرها...
"المغرب محظوظ بموروثه الثقافي، باعتباره بلد تلاقح ثقافي، إذ أوجدته الأقدار في موقع استراتيجي أوفد عليه حضارات متعددة، أغنت رصيده الثقافي والعمراني والحضاري" يقول شكور.
ونصح الكاتب والمستشار في التكوين وفنون الطبخ بالنهوض بفنون المطبخ المغربي، باعتبار الطبخ من مفاتيح السياحة الثقافية. وذلك عبر خلق مطاعم متخصصة في هذا المجال بالفنادق وإعطاء نبذة عن تاريخ الوجبات للزبائن. "الطبخ يندرج ضمن الدبلوماسية الموازية، لما له من قدرة على التعريف بالثقافة والعادات والأعراف، خصوصاً بالنظر لتميز الضيافة المغربية المشهود".
وخلص شكور إلى الحاجة لتعميم فضاءات للتنشيط السياحي على غرار جامع الفناء، وافتتاح مزيد من المتاحف وتعزيزها بالتنشيط الثقافي، فضلاً عن ترميم القصبات والمدن العتيقة.