اقتصادكم- سعد مفكير
كشفت نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024 عن ارتفاع معدل البطالة إلى 21.3%، مقارنة مع 2014 الذي عرف تسجيل نسبة 16,2% على المستوى الوطني وبالتالي هذا يوضح أن معدل البطالة بين سنتي 2014 و 2024 عرف زيادة كبيسة أثار تساؤلات عديدة حول منظومة التشغيل في المملكة.
وانتقل معدل البطالة في الوسط الحضري ما بين 2014 و2024 من 19,3% إلى 21,2%، أما على المستوى القروي فقد انتقل معدل البطالة ما بين 2014 و 2024 من 10,5% إلى 21,4%. أما على مستوى الجنس فقد انتقل معدل البطالة في صفوف الذكور من 12,4% إلى 20,1%، أما على مستوى الإناث فقد انتقلت من 25,9% سنة 2014 إلى 29,6% سنة 2024.
واعتبر أمين سامي، المحلل الاقتصادي والخبير في التخطيط الاستراتيجي، في تصريح لموقع "اقتصادكم"، أن الرقم المصرح به من طرف المندوبية السامية للتخطيط يجب قراءته في شموليته وكليته وفي إطاره النسقي، مشيرا إلى أن وصول معدل البطالة لسنة 2024 إلى 21,3% مقارنة مع 2014، يعد مؤشرا منبها بشأن السياسات الاقتصادية والاجتماعية، يجب أخذه بعين الاعتبار في فهم التحديات الاقتصادية والاجتماعية والمساهمة في إيجاد حلول سريعة وفعالة من أجل تحريك النمو الاقتصادي مما يساهم في خلق فرص عمل كافية لاستيعاب النمو السكاني والتغيرات الهيكلية التي تحصل في سوق العمل.
وأضاف الخبير الاقتصادي أن الرؤية الملكية لجلالة الملك محمد السادس هي رؤية استراتيجية واستباقية واستشرافية، حين دعا جلالته إلى إعطاء الأولوية والانكباب على إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وعلى تسريع تنزيل ميثاق الاستثمار وتحفيز والدعم والاتجاه نحو الاستثمار المنتج وتحفيز وتعزيز الاستثمار الجهوي، وتحريك الاستثمار في الوسط القروي وخلق طبقة متوسطة في العالم القروي لأن جلالته يؤكد في كل مرة في مختلف خطاباته على أهمية الاستثمار والتكوين وتأهيل الموارد البشرية المؤهلة والكفاءات لأنهم هم السبيل للقضاء على البطالة وخلق الثروة والمساهمة في تطوير الاقتصاد الوطني وتنويعه.
خبير : سوق الشغل غير قادر على استيعاب جميع العاطلين الخريجين
وأضاف الخبير الاستراتيجي أنه على الرغم المجهودات الكبيرة التي تقوم بها الحكومة في مجال التشغيل والعمل على خلق فرص الشغل سواء في الوسطين الحضري والقروي، من خلال العمل على جذب الاستثمارات، وخلق برامج التكوين المهني كمدن المهن والكفاءات من أجل مواءمة التكوين مع متطلبات سوق الشغل، بالإضافة إلى خلق شعب جديدة في الجامعات والمعاهد المتخصصة من أجل سد الفجوة التنموية بين التكوين وسوق الشغل، ودعم الشباب والمقاولات الناشئة والصغرى والمتوسطة والمساهمة والمساعدة في توفير التمويل، وتحسين مناخ الأعمال الاستثماري وطنيا وترابيا، إلا أن سوق الشغل في المغرب لا يزال غير قادر على استيعاب جميع العاطلين الخريجين من مختلف التخصصات ومن مختلف المعاهد والجامعات والشعب.
إعادة النظر في طرق خلق فرص الشغل
ويحيل هذا الارتفاع في معدل البطالة، حسب المتحدث ذاته، إلى إعادة النظر في طرق خلق فرص الشغل سواء المباشرة وغير المباشرة، وإعادة النظر في تحسين مناخ الأعمال الاستثماري وطنيا وترابيا، وتحريك العجلة الاقتصادية، وتوجيه الاستثمار المنتج والاستثمار الجهوي بشكل كبير جدا، والقطاعات الواعدة والمستقبلية المنتجة للثروة و المستقطبة والمستوعبة لليد العاملة العاطلة الخريجة منذ سنوات. بالمقابل، يضيف الخبير في تصريح لموقع "اقتصادكم"، لا يمكن أن نغفل التحديات الخارجية التي تساهم بدورها في ارتفاع معدل البطالة لسبب من الأسباب لأنها تعتبر عامل من العوامل المساهمة في هذا الإطار، نذكر منها التغيرات المناخية، الأزمات الاقتصادية العالمية، الحروب، تداعيات الجفاف وآثار جائحة covid-19، وغيرها... كل هاته العوامل تساهم في ارتفاع معدل البطالة وتؤثر بشكل مباشر على الاقتصادات المحلية للدول.
هكذا يجب تطوير منظومة التشغيل
ويقتضي تقليص البطالة إعادة النظر في طريقة تطوير منظومة التشغيل، وطريقة إنتاج الثروة (النمو الاقتصادي)، وتوزيعها على مختلف مناطق وجهات المغرب من أجل تحقيق التوازن المجالي.
وفي هذا الصدد، دعا سامي إلى العمل على إرساء إجراءات مركزية على المستوى الوطني، وأخرى ترابية على مستوى الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات الترابية، كما يجب العمل على عدة مستويات وقطاعات حكومية وخاصة وغرف مهنية، وغرف فلاحية، وتعاونيات وجمعيات للمساهمة في تقليص البطالة وإحداث مناصب شغل جديدة لاستيعاب الخريجين الجدد.
وفي هذا الإطار هناك العديد من القطاعات الاقتصادية الواعدة والمستقبلية والتي يمكن أن تساهم بشكل كبير في امتصاص البطالة وخلق فرص شغل جديدة، منها : القطاع التضامني (قطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني)، القطاع الرقمي (التجارة الإلكترونية، اقتصاد البيانات، الذكاء الاصطناعي،...)، قطاع الاقتصاد الدائري وإعادة تدوير النفايات، قطاع الاقتصاد الأخضر (البيئة)، قطاع الاقتصاد الأزرق (البحر)، قطاع الفلاحة الرقمية، قطاع الصناعة 4.0، قطاع اقتصاد الثقافة، قطاع اقتصاد المحتوى وصناعة المضامين الرقمية، قطاع اقتصاد الرياضة، قطاع السياحة البيئية الثقافية، قطاع الصناعة التقليدية العصري والرقمي،... والعديد من القطاعات الواعدة والمستقبلية التي توجد إمكانات مهمة وجذابة للمستثمرين وأصحاب ريادة الأعمال الابتكارية.
الحلول المقترحة مركزيا وترابيا وجهويا
ومن بين الحلول المقترحة لمحاربة ظاهرة البطالة:
1- العمل على خلق لجان لليقظة والاستشراف الاستراتيجي القطاعي (قطاع الشغل)، مركزيا ولجان ترابية جهوية.
2- العمل على تأسيس مجالس جهوية وإقليمية للاستثمار ومناخ الأعمال الترابي، تضم في تركيبتها: القطاعات الحكومية، والقطاع الخاص، والغرف الفلاحية والغرف المهنية، والجمعيات المهنية والتعاونيات، والنقابات، وخبراء في المجال، الهدف منها هو مناقشة سبل تطوير وتعزيز مناخ الاعمال الترابي، وإبراز القطاعات الواعدة والمستقبلية بالجهة وبالأقاليم التابعة لها والامكانات الطبيعية واللوجيستيكية، والاقتصادية والاجتماعية والديمغرافية، والخدماتية، للدفع بعجلة الاستثمار وتحريك العجلة الاقتصادية.
3- العمل على خلق وإنشاء بورصات قطاعية متخصصة مثلا بورصة في الصناعات الغذائية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، بورصة اقتصاد البيانات والاقتصاد الرقمي، بورصة الاقتصاد الدائري، بالإضافة إلى بورصات جهوية الهدف منها العمل على تحفيز الاستثمارات العمومية والاستثمارات الأجنبية المباشرة وتحريك العجلة الاقتصادية الجهوية، وتحسين مناخ الأعمال على مستوى تراب الجهة.
4- العمل على إنشاء "صناديق استثمار اجتماعية مُبتكرة" (Social Impact Funds)، حيث تساهم هذه الصناديق الاستثمارية في تمويل مشاريع التعاونيات والمقاولات الاجتماعية بناءً على "الأثر الاجتماعي" المُحقق، وذلك من خلال المؤشرات التالية:
- ربط الاستثمار بالعائد الاجتماعي والبيئي (وليس الربح المادي فقط).
- تخصيص مؤشرات أداء (KPIs) تُقَيِّم عدد الوظائف المُحدثة والمجالات المُدعمة (مثلاً: الشباب، النساء).
- العمل على جلب مستثمرين محليين ودوليين من أصحاب رؤوس الأموال الاجتماعية.
5- إطلاق "اقتصاد الرعاية التضامني" (Care Solidarity Economy)، من خلال مشاريع اجتماعية تضامنية تركز على خدمات الرعاية الصحية والنفسية والتعليمية، من خلال دعم تعاونيات تُقدم خدمات رعاية منزلية لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، وإدماج الشباب والنساء في مشاريع ريادية تُعنى بتقديم خدمات تعليمية مُبتكرة (تطبيقات التعليم عن بعد).
6 - العمل على إنشاء "بنوك المواهب التضامنية" (Solidarity Talent Banks)، من خلال إنشاء قاعدة بيانات وطنية للمواهب والمهارات التي يمكن توجيهها للعمل في مشاريع اجتماعية تضامنية، واستخدام منصات الذكاء الاصطناعي لرصد المهارات وربطها بالمشاريع المُحتاجة.
7- العمل على إنشاء واستخدام الذكاء الجغرافي (Geo-Social Mapping)، باعتماد أنظمة الخرائط الجغرافية الذكية GIS لرصد الفجوات التنموية وتحديد فرص المشاريع التضامنية حسب الموقع الجغرافي. وبالتالي يمكن تحديد القطاعات غير المستغلة في المناطق النائية وأيضا الواعدة وتوجيه الاستثمار لها والربط بينها عبر منصات ذكية. والعمل أيضا على تخصيص مشاريع تنموية "مناطقية" بناءً على معطيات جغرافية دقيقة.
8- العمل على تأسيس "شركات منصات تضامنية" لتشغيل خريجي الجامعات، من خلال، العمل على تأسيس شركات تضامنية شبابية تعتمد على تكنولوجيا المنصات (مثل Uber المحلي، Airbnb التضامني). حيث يمكن تخصيص القطاعات الناشئة مثلا :
- التوصيل المحلي الجماعي.
- التجارة الإلكترونية التضامنية.
9- اقتصاد الذكاء المناخي Climat-Smart Solidarity من خلال إطلاق تعاونيات تتعامل مع تحديات المناخ عبر مشاريع ابتكارية بيئية. من خلال تعاونيات لإنتاج الطاقة النظيفة الموجهة للاستخدام المحلي. بالإضافة إلى إنشاء مبادرات شبابية لإعادة التشجير وتدوير النفايات العضوية بطرق مبتكرة.
10- العمل على إنشاء وتطوير منصة وطنية ذكية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني من خلال :
- استخدام الذكاء الاصطناعي لتوجيه المستهلكين نحو التعاونيات والمشاريع التضامنية حسب احتياجاتهم.
- اعتماد التحليل التنبؤي لرصد الاحتياجات الجهوية واقتراح قطاعات اقتصادية مناسبة للشباب العاطل.
11- العمل على تحويل المناطق الهامشية إلى مراكز اقتصادية تضامنية متخصصة، من خلال :
- تأسيس وتطوير "قرى اقتصادية تضامنية".
- إنشاء مجمعات اقتصادية صغيرة، متخصصة في صناعات معينة حسب موارد المنطقة (نموذج "القرية الذكية").
- ربط التعاونيات بالمشاريع الكبرى (مثل الفلاحة الذكية أو الطاقات المتجددة).
- مناطق ابتكار اجتماعي جهوية: تحويل مناطق نائية إلى مختبرات "Living Labs"، حيث تُجرى تجارب لمشاريع اقتصادية مبتكرة يقودها الشباب وتدعمها الجماعات الترابية.
12 - العمل على إحداث "بنك التضامن الاجتماعي الذكي": بنك وطني أو جهوي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني حيث يساهم البنك في منح قروض صغيرة فورية، تستهدف تمويل أفكار مبتكرة في التعاونيات، ومنح نقاط مكافأة رقمية لكل مشروع اجتماعي يحقق أهدافًا تنموية، حيث سيساهم استخدام البيانات الضخمة في تقييم المشاريع التمويلية واقتراح حلول للمشاكل المطروحة.
13- العمل على اعتماد نموذج "التوأمة الاجتماعية الاقتصادية" من خلال التوأمة بين الجهات المتقدمة والجهات النائية، بالتوقيع على اتفاقيات "توأمة" بين جهات متقدمة اقتصاديًا (كالدار البيضاء) وأخرى تحتاج دعمًا (كمناطق قروية) لتطوير التعاونيات وخلق فرص عمل.
العمل على التوأمة بين التعاونيات والشركات الكبرى (Corporate Social Partnerships) : من خلال دمج التعاونيات مع المقاولات الكبرى عبر برامج المسؤولية الاجتماعية، وتوفير مناولة تضامنية لإدماج منتجي التعاونيات في سلاسل القيمة العالمية.
14- إعادة هندسة قطاع الاقتصاد الاجتماعي بمقاربة "المجتمعات المنتجة"، من خلال تحويل المناطق القروية إلى "مجتمعات منتجة ومستدامة" وتقديم تكوينات متقدمة على شكل "مشاريع جاهزة للتنفيذ"، وتسهيل وصول الساكنة إلى الموارد (الأرض، المياه، التمويل)، واعتماد أدوات قياس الأداء الاجتماعي (Social Impact KPIs).
15- العمل على إنشاء اقتصاد معرفي مستدام، من خلال التحول نحو الصناعات الإبداعية والتكنولوجيا، عن طريق الاستثمار في مجالات التكنولوجيا المتقدمة (الذكاء الاصطناعي، البلوك تشين، الطباعة ثلاثية الأبعاد). والعمل على إطلاق برامج وطنية لدعم الشركات الناشئة في التكنولوجيا، وربطها بمنصات تمويل عالمي.
16 - العمل على إنشاء المراكز التكنولوجية الجهوية، من خلال إنشاء مراكز تكنولوجيا إقليمية (Tech Hubs) في المدن الصغرى والقرى لتوفير فرص عمل تعتمد على التكنولوجيا الرقمية.
17 - العمل على خلق وتطوير اقتصاد جديد هو اقتصاد الطاقة الشخصية، من خلال العمل على توليد الطاقة مقابل دخل حيث يتم تشجيع الأفراد على تثبيت ألواح شمسية صغيرة على منازلهم وإعادة بيع الفائض إلى شبكة الكهرباء الوطنية، وربط هذه المبادرة ببرنامج حكومي لتوظيف الشباب في تركيب وصيانة هذه الأنظمة.
18 - إعادة تعريف مفهوم البطالة عبر "منصات المهام الدقيقة" Microtasking Platforms عن طريق إنشاء منصة مغربية تسمح للشباب بإكمال مهام صغيرة للشركات (ترجمة، تحليل بيانات، تصنيف الصور) مقابل دخل يومي، وربط الشباب في المناطق النائية بشركات محلية ووطنية، تحتاج إلى هذه الخدمات عبر الإنترنت.
19 - إنشاء بورصة للمهارات (Skills Exchange Market)، من خلال إنشاء منصة وطنية تتيح للأفراد بيع وشراء المهارات عبر عقود قصيرة الأمد، مثل تصميم الشعارات، التدريس الخاص، أو البرمجة. وبالتالي تعتمد المنصة على تقييم المستخدمين، مما يعزز الشفافية والفرص المتساوية.
20- وأخيرا تحويل البطالة إلى إنتاج اجتماعي، من خلال مفهوم "الأجر مقابل الأثر الاجتماعي" حيث يمكن تقديم دخل للشباب مقابل تنفيذ مشاريع اجتماعية تعود بالنفع على المجتمعات المحلية، مثل بناء مدارس، تشجير المناطق القاحلة، أو تقديم دروس مجانية للأطفال. وبالتالي فالتمويل يأتي من شراكات بين القطاع الخاص والحكومة، مع مراقبة الأثر الاجتماعي للمبادرات.