اقتصادكم
لم تعد الموانئ المغربية مجرد نقاط عبور للتجارة البحرية، بل باتت مرشحة للعب دور استراتيجي جديد في منظومة الطاقة العالمية، مع تصاعد الطلب الدولي على الوقود النظيف، خاصة في قطاع الشحن البحري والصناعات الثقيلة.
وكشفت منصة “ديف ديسكورس” في التقرير الذي أُعد بشراكة بين البنك الدولي وعدة مؤسسات مغربية، من بينها وزارة التجهيز والماء، والوكالة الوطنية للموانئ، إلى جانب مساهمات من “مازن” و”إيريسين”، أن موانئ المغرب، وفي مقدمتها ميناء طنجة المتوسط، مرشحة لتصبح عقدًا محورية في الاقتصاد العالمي للهيدروجين الأخضر، من خلال تزويد الشحن البحري والصناعة وأسواق التصدير الأوروبية بالوقود منخفض الكربون.
وتابعت منصة “ديف ديسكورس” أن هذا التحول يستند إلى قدرة المغرب على دمج إنتاج منخفض الكلفة للهيدروجين الأخضر، مع بنى تحتية مشتركة وإطار تنظيمي واضح، ما يسمح بتحويل تفوقه في الطاقات المتجددة إلى رافعة استراتيجية لإزالة الكربون.
وذكرت “ديف ديسكورس” أن التقرير، المعنون ب"بوابة نحو الطاقة الخضراء"، يضع المغرب عند تقاطع تحولَين عالميين كبيرين، يتمثلان في إزالة الكربون من الشحن البحري الدولي، والصعود السريع للهيدروجين الأخضر كركيزة للصناعة منخفضة الانبعاثات.
ولفت المصدر إلى أن التزامات المنظمة البحرية الدولية بتحقيق الحياد الكربوني لقطاع الشحن بحلول 2050، تجعل الوقودات القائمة على الهيدروجين، مثل الأمونيا الخضراء والميثانول الأخضر، الخيار الأكثر واقعية للسفن العابرة للمحيطات.
وأضاف أن التشريعات الأوروبية، وعلى رأسها نظام تداول الانبعاثات وقانون FuelEU Maritime، تسرّع هذا التحول عبر رفع كلفة الوقود الأحفوري على السفن التي ترسو في الموانئ الأوروبية، ما يمنح موانئ المغرب فرصة استقطاب الطلب على التزود بالوقود النظيف.
كما أورد التقرير أن ميناء طنجة المتوسط، بحكم موقعه الاستراتيجي عند مضيق جبل طارق، مؤهل ليصبح نقطة رئيسية لتزويد السفن بالوقود الأخضر، خاصة مع مرور جزء كبير من التجارة البحرية العالمية عبر هذا الممر الحيوي.
وأشار المصدر عينه إلى أن الطلب على الهيدروجين الأخضر المغربي يتوزع على ثلاثة أسواق رئيسية، أولها الشحن البحري، حيث قد تحتاج السفن التي ترسو أو تمر قرب الموانئ المغربية إلى ما يقارب ثلاثة ملايين طن من مكافئ الهيدروجين سنويًا بحلول منتصف القرن.
وأوضح أن السوق الثاني يتمثل في الصناعة الوطنية، خاصة صناعات الأسمدة في الجرف الأصفر، والصلب الأخضر المحتمل، والتكرير وإنتاج الكهرباء، فضلًا عن وقود الطيران المستدام، وهي قطاعات تتطلب كميات كبيرة من الهيدروجين لإزالة الكربون.
وزاد موضحا أن السوق الثالث يهم التصدير نحو أوروبا، التي يُتوقع أن تستورد كميات ضخمة من الهيدروجين الأخضر بسبب محدودية مواردها من الطاقات المتجددة، ما يفتح آفاقًا واسعة أمام المغرب كمصدر تنافسي.
وأبرز التقرير أن كل ميناء مغربي يضطلع بدور مختلف داخل سلسلة قيمة الهيدروجين الأخضر، إذ يعد طنجة المتوسط مثاليا للتزويد بالوقود، لكنه يفتقر للمساحات اللازمة للإنتاج واسع النطاق.
وأشار كذلك إلى أن منطقة طانطان توفر أدنى تكاليف إنتاج للهيدروجين في المغرب بفضل موارد استثنائية من الرياح والطاقة الشمسية، غير أنها تحتاج إلى استثمارات كبيرة في البنيات التحتية وتنمية الكفاءات البشرية.
وأكد أن إطلاق مشاريع تجريبية مبكرة، خاصة في تزويد السفن بالوقود الأخضر، إلى جانب إطار تنظيمي قوي وبنيات تحتية مشتركة، كفيل بجعل الموانئ المغربية فاعلا محوريًا في تجارة عالمية جديدة للطاقة النظيفة، تدعم الأهداف المناخية وتعزز التنمية الاقتصادية طويلة الأمد.