اقتصادكم
في يوم شهدت فيه إسبانيا واحدة من أسوأ انقطاعات الكهرباء في تاريخها الحديث، لم تكن استعادة التيار مجرد عملية تقنية، بل كانت تعبيرا صادقا عن عمق العلاقات الإقليمية والتعاون الاستراتيجي بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط. وهنا، برز المغرب كفاعل محوريّ، حيث مد يده بكل سرعة، ليصبح الرابط البحري بين المغرب وإسبانيا شرياناً أنقذ الملايين من ظلام مفاجئ، ورسّخ مجدداً أن الجغرافيا لا تفصل بل توصل، حين تحكمها روح الشراكة والثقة. فكيف ساعد المغرب إسبانيا على استعادة الكهرباء؟
تفاصيل التدخل المغربي في أزمة انقطاع الكهرباء بإسبانيا
في أعقاب انقطاع التيار الكهربائي على مستوى شبه الجزيرة الإيبيرية يوم الإثنين، والذي أسفر عن توقف ما يقارب 60٪ من إجمالي استهلاك الطاقة في إسبانيا في حدود الساعة الثانية عشرة والنصف ظهراً، تحركت المملكة المغربية بسرعة وجاهزية عالية لمساعدة جارتها الشمالية في استعادة الكهرباء عبر الربط الكهربائي البحري الذي يربط البلدين.
استجاب المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب على الفور لنداء شركة ريد إليكتريكا الإسبانية، المكلفة بتدبير شبكة الكهرباء في إسبانيا، وأعاد تفعيل الربط الكهربائي بين البلدين. ويُعد هذا الرابط المار عبر مضيق جبل طارق من أبرز إنجازات التعاون الطاقي الثنائي، حيث تمكّن من عكس تدفق الطاقة نحو إسبانيا في لحظة حرجة، حسب ما نشرته جرائد "ElDebate " و"El espanol" الإسبانية.
وترتبط المملكة بإسبانيا بخط يسمى التيار الكهربائي المستمر عالي الجهد (HVDC)، وهي تكنولوجيا إلكترونيات الطاقة المستخدمة لنقل الكهرباء ذات التيار الكهربائي المستمر عالي الجهد، وهذا يعني أن الشبكة المغربية ليست متزامنة مع الشبكة الإسبانية وبالتالي الشبكة الأوروبية .
كفاءة الربط الكهربائي بين المغرب وإسبانيا
يُشار إلى أن هذا الربط الكهربائي الذي يمر بين طريفة (Tarifa) في الجنوب الإسباني وشمال المغرب، غالباً ما يُستخدم في تصدير الكهرباء من إسبانيا إلى المغرب. لكن هذه الأزمة أظهرت قدرة هذا النظام على العمل في الاتجاه المعاكس عند الحاجة، وهو ما حصل بالفعل خلال هذا الانقطاع الشامل.
موقف الحكومة الإسبانية: شكر وتقدير
في أولى تصريحاته بعد عودة التيار تدريجياً، عبّر رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز عن شكره العميق للمغرب، إلى جانب فرنسا، على تضامنهما السريع، مؤكداً أن هذه المساعدة "تعكس عمق العلاقات الاستراتيجية" التي تربط بلاده بجاريها الجنوبي والشمالي.
وفي تصريح لاحق، أبرز سانشيز أهمية هذا التعاون قائلاً:"نواجه تحديات تتطلب منا تفعيل كل قنوات التضامن الإقليمي. شكرًا للمغرب وفرنسا على دعمهما الحيوي"، كما أعلن سانشيز أن الحكومة الإسبانية تعتمد على ثلاثة روافع رئيسية لاستعادة الطاقة بشكل كامل بحلول يوم الثلاثاء، وهي: الربط الكهربائي مع المغرب وفرنسا ومحطات الغاز ذات الدورة المركبة والاعتماد على الطاقة الكهرومائية.
البعد الإقليمي للتضامن الطاقي
أكدت هذه الحادثة على أن البنى التحتية العابرة للحدود ليست فقط مشروعات تقنية، بل أدوات حيوية لتعزيز الاستقرار الإقليمي والتكامل الاقتصادي. وقد وصف سانشيز الربط مع المغرب وفرنسا بأنه "رأس الحربة" في مواجهة الأزمات المفاجئة، مضيفاً أن "هذا التعاون يعكس روح الشراكة التي تتجاوز الحسابات السياسية الآنية".