اقتصادكم
أعاد الاضطراب في التزود بقطع غيار وأجزاء السيارات عالميا، سوق المتلاشيات "لافيراي" إلى الواجهة، بعدما سجلت أسعار هذه القطع ارتفاعا مهما خلال الفترة الأخيرة، مدفوعة بالتضخم وقلة العرض من قبل الموزعين.
وبهذا الخصوص، يعتبر الكل أن "لافيراي" سباتة بالبيضاء سوق يجتمع فيه ما يتفرق في غيره، فالباحث عن قطعة غيار أو هيكل سيارة تقوده قدماه إلى هذا المركب الصفيحي، الذي حولته الأمطار الأخيرة إلى مستنقع موحل، جعل الدكاكين الحبلى بالبضائع شبيهة بالبيوت التايلاندية العائمة.
يقدم سوق أجزاء السيارات المستعملة لزبائنه كل ما يحتاجونه من قطع غيار أصلية للسيارات، بأسعار تظل في المتناول مع تلك المعروضة من قبل شركات السيارات ومحلات بيع قطع الغيار الجديدة، غير أن هذا السوق مازال يتخبط في مجموعة من المشاكل الذاتية، المرتبطة بضعف البنية التحتية، والتنظيمية الخاصة بارتفاع الرسوم الجمركية على واردات قطع الغيار المستعملة، الأمر الذي يحملهم تكاليف إضافية تؤثر بشكل سلبي على هامش أرباحهم.
ويبلغ متوسط ما ينفقه الفرد على صيانة سيارته شهريا ما يقارب 500 درهما حسب مؤشرات المندوبية السامية للتخطيط، وهو مبلغ تطور في ظل الظروف الحالية، في وقت يفوق فيه عدد السيارات المتنقلة بالمغرب أزيد من ثلاثة ملايين سيارة، فيما تسيطر على أغلب حصص سوق السيارات، العلامات الفرنسية والألمانية، مثل "رونو" و"بوجو" و"مرسيدس" وكذا "بي إم دبلفي" و"فولسفاغن".
ويفوق عدد المحلات بسوق قطع الغيار المستعملة في منطقة "سباتة" الشعبية بالبيضاء 750 محلا، تبيع مختلف أجزاء السيارات التي تنتمي إلى الطرازات القديمة والحديثة، إذ يعتمد أصحاب هذه المحلات على استيراد القطع من الخارج، سواء عبر جلبها بأنفسهم أو اقتنائها من تجار ووسطاء، مهنتهم الأساسية استيراد أجزاء السيارات بالجملة، ومن ثم إعادة بيعها داخل ميناء الدار البيضاء إلى تجار هذا السوق، وتكون القطع إما مفككة أو ما تزال ضمن أنصاف السيارات المستوردة.
وتجذب مزايا الجودة وهوية الصانع الزبناء إلى محلات "لافيراي" سباتة، إذ يتسنى للزبون هناك الحصول على قطعة غيار أصلية يدوم عمرها الافتراضي أزيد من ثلاث سنوات، عكس قطعة الغيار المسوقة من قبل الموزعين، والتي تكون عادة ذات جودة عادية لا ترقى إلى القطع الأصلية، التي تتوفر عليها السيارة من المصنع، دون إغفال وجود قطع غيار مقلدة تستحوذ على 30 % من رواج السوق.
عبد الله الذي يملك سيارة من طراز "بوجو"، يعتبر أن نسبة كبيرة من أصحاب السيارات يفضلون "لافيراي" على اللجوء إلى بائعي قطع الغيار الجديدة، إذ تظهر تجربته الشخصية أن قطعة الغيار التي يتم اقتناؤها من السوق تكون أصلية، وتدوم لمدة أطول مقارنة مع مثيلتها المقتناة من موزعي القطع الجديدة، التي لا تكون بجودة الأصلية، كما أن المقارنة التجارية في الأسعار، ترجح كفة قطعة الغيار المستعملة على حساب نظيرتها الجديدة، إذ يتراوح فارق السعر بين الصنفين 20 % و70، الأمر الذي يحفز الميكانيكيين ومهنيي الصيانة على اقتناء حاجياتهم من سوق المتلاشيات، وينصحون زبناءهم بالتوجه إلى هذا السوق.
ويلاحظ الزائر لسوق أجزاء السيارات المستعملة في سباتة، أكواما من السيارات وأنصاف السيارات، تظهر للوهلة الأولى بمظهر الخردة إلا أن قيمتها تقدر بملايين السنتيمات، بما يرفع رقم معاملات هذا السوق إلى ملايير الدراهم، ويجعله بنية اقتصادية مهمة، يحتضنها وعاء عقاري وإطار تنظيمي غير مهيل.
وفي هذا الشأن، يعلق أحمد حارث، أحد تجار "لافيراي" على الوضع بالقول، "إننا نفي بجميع واجباتنا تجاه الدولة، من نفقات كراء وضرائب، لكننا نفتقر إلى أدنى المقومات التي يجب أن تتوفر في أسواق بيع قطع الغيار، ولسنا وحدنا المتضررين من هذا الوضع، فالزائر للسوق يلاحظ شبه انعدام للبينة التحتية، ذلك أنه رغم مطالباتنا المتكررة بتحسين ظروف عمل الفاعلين في السوق، ما زلنا محرومين من الكهرباء والماء، في صورة تحيل على تخلف البنى والتجهيزات في ستينات القرن الماضي، سيما أن السوق يتواجد داخل المدار الحضري للدار البيضاء، كما أنه في حالة نشوب حريق ما، فإن فرق الإطفاء لن تجد مضخات الماء، وهي ضرورة حيوية لأي مجال عمراني حساس مثل سوق".
ومن جهة أخرى، يؤكد التاجر الذي يمتهن تجارة قطع الغيار المستعملة منذ ثلاثة عقود، أن المهنيين في هذا السوق يعانون مشاكل أخرى مرتبطة بالجانب الجمركي والإداري، مشيرا إلى أن سنوات الثمانينات والتسعينات كانت فترة ذهبية للتجار، الذين كانوا يستفيدون من حزمة إجراءات جمركية ميسرة، ساهمت في الرفع من أرباحه الصغار منهم والكبار، قبل أن يتغير الوضع اليوم إلى الأسوأ، مع الرفع من سقف رسوم الجمارك والتعشير، لتنخفض أرباح التجار بشكل كبير نتيجة تراجع مخزون قطع الغيار".
إلى ذلك، يقف تصميم التهيئة العمرانية الجديد للوكالة الحضرية للدار البيضاء حجر عثرة أمام تطوير السوق، فالتصميم لم يحدد موقع السوق فوق المساحة التي يشغلها حاليا، والموجودة جنوب حي سباتة الشعبي، تحديدا بالمحاذاة مع منطقة بن مسيك، إذ تضمن تصميم التهيئة الجديد مساحة خضراء فسيحة في مكان السوق الحالي، تتوسطها حديقة عمومية.