هل استجابت مخرجات الحوار الاجتماعي لانتظارات الطبقة الشغيلة؟

آخر الأخبار - 01-05-2024

هل استجابت مخرجات الحوار الاجتماعي لانتظارات الطبقة الشغيلة؟

اقتصادكم - سعد مفكير

 

قبل يومين من عيد الشغل، تمخض عن جولات الحوار الاجتماعي بين الحكومة والنقابات وممثلي المقاولات اتفاق تنفيذي بموجبه تم إقرار تحسين الدخل من خلال زيادة 1000 درهم في أجور موظفي الإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية، على دفعتين والرفع من الحد الأدنى للأجر في قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة (SMIG) والفلاحة (SMAG) بنسبة 10 في المائة.

ومكنت هذه الجولة من الحوار الاجتماعي، بالموازاة مع إجراءات الرفع من الدخل، من التوافق بشأن المبادئ الأساسية لتنزيل إصلاح أنظمة التقاعد والقانون التنظيمي للإضراب الذي ستستأنف مناقشته في البرلمان.

وتباينت الأراء حول مخرجات هذه الجولة من الحوار الاجتماعي، التي سنحاول تفكيكها رفقة كمال الهشومي، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بكلية الحقوق اكدال..

- في فاتح ماي، هل استجابت مخرجات الحوار الاجتماعي الأخير لانتظارات الطبقة الشغيلة؟

لابد من التأكيد على أن هذه القرارات هي تفعيل جزئي لما تم الاتفاق عليه في اتفاق الحوار الاجتماعي وميثاق مأسسته الموقعان بتاريخ 30 أبريل 2022 والذي تكلم على رفع الأجور في القطاعين العام والخاص ومراجعة الضريبة على الدخل وغيرها من المطالب المتعددة والمتنوعة التي تم الاتفاق عليها مبدئيا بين الحكومة والنقابات وممثلي المقاولات.

طبعا من وجهة نظر النقابات دائما فإن أي مكتسبات تبقى غير كافية وهذا من ثقافة النضال والعمل النقابي، ويجب علينا الانتباه إلى أن هذا الاتفاق الجزئي والمكتسبات التي جاء بها هي في سياق اتفاق شامل بموجبه سيتم مراجعة القوانين المرتبطة بتشريع العمل، والمرتبطة أساسا باعتماد مشروع القانون التنظيمي الخاص بالحق في ممارسة الإضراب، والقانون الخاص بالنقابات، ومراجعة مدونة الشغل التي تعد من المطالب الملحة للكونفدرالية العامة لمقاولات المغرب وكذلك للحكومة المغربية، كما أن هذه المكتسبات تبقى محدودة، وتأتي لتفعيل اتفاق مسبق من أجل تنفيس الوضعية الاجتماعية ونضالات الطبقة الشغيلة، في سبيل ضمان سلم اجتماعي قد يكون مؤقتا.

- ما هي الأبعاد السوسيو اقتصادية لهذه القرارات وتأثيرها على التنمية الاقتصادية للبلاد، خاصة مفهوم الدولة الاجتماعية؟

طبعا هي قرارات مهمة من أجل ضمان الحد الأدنى من السلم الاجتماعي بين النقابات والمقاولات برعاية الحكومة، ونعلم أنه كلما كان هناك استقرار وسلم اجتماعي كلما كان هناك حوار وتعاون واستقرار على مستوى البنية الاقتصادية للمملكة، وإلا ستكون هناك اضطرابات في القطاعين العام والخاص وأعتقد أن الوضعية الاقتصادية للمغرب لا تحتمل المزيد من الاضطرابات خاصة مع التغيرات الإقليمية والدولية.

ولا يجب أن ننسى أن هذه الحكومة اختارت شعار الدولة الاجتماعية، وفق توجيهات جلالة الملك محمد السادس، ولا يمكننا أن نصل لمفهوم الدولة الاجتماعية بدون أسس قوية ودعائم تتضمن أساسا العدالة الاجتماعية، والتضامن الاجتماعي، والرعاية الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية المستدامة، وحماية حقوق الإنسان. ولعل الحوار الاجتماعي والمجتمعي أهم منهج لذلك.

- هل المغرب قادر على ضمان تنفيذ هذه الخطوة دون إضرار أنظمة أخرى، كالتقاعد والضرائب، وتضييق الخناق على المقاولات الصغرى والناشئة ...؟

عادة تكون وزارة الاقتصاد والمالية حريصة على ضمان التوازنات الماكرو-مالية للبلاد، هذه الإجراءات المتخذة من قبل الحكومة لضمان السلم الاجتماعي لها تكلفة، لكن لا يجب أن تكون هذه التكلفة على حساب توازنات مالية أخرى، وعندما نتكلم عن أنظمة مثل صناديق التقاعد، تبين من خلال الدراسات الاكتوارية من طرف وزارة الاقتصاد والمالية أن هذه الأنظمة باتت هشة وتعرف أزمات متعددة تؤثر على الوضعية المالية للبلاد وعلى المتقاعدين، ومن بين الحلول يتم الحديث عن رفع سن التقاعد وتوحيد أنظمة التعاقد كذلك الذي قد يكون له مزايا عديدة، وحسب مجموعة من التجارب الدولية فإن الأنظمة الائتمانية يجب أن تكون متضامنة وهو سر نجاحها.

وبالتالي فإن الدولة تحاول أن تضمن توازنات مالية من أجل الإقدام على هذه القرارات، مثل تغيير نظام التقاعد وبعض المصالح التي تدافع عنها المقاولات، من خلال توفير شروط ملائمة لنمو المقاولات الصغرى والصغيرة جدا والمتوسطة والناشئة وضمان تنافسية المقاولات بناءا على احترام القوانين المنظمة، والأكيد أن المسؤولين قاموا بدراسات عديدة لضمان هذه التوازنات خاصة حينما نتكلم عن مراجعة الضرائب.
 
- في نظرك، هل تعتبر الزيادة في سن التقاعد حلا منطقيا في الظرفية الراهنة؟ وما هي انعكاساته على نظام التوظيف في المغرب عامة ونسبة البطالة؟

هناك نقاش حقيقي بعد إصلاح منظومة التقاعد خلال الحكومة الأولى بعد دستور 2011، ورفع سن التقاعد، اليوم الحكومة كذلك تريد مراجعة نظام التقاعد، وكما قلت في جميع دول العالم، إذا لم تكن الأنظمة الائتمانية التي تؤدي أجور المتقاعدين، أنظمة صلبة ومتضامنة في ما بينها فلا يمكنها أن تحقق أهدافها. 

واقع الحال في المغرب يقول إن أنظمة التقاعد مفلسة ومتعددة، في القطاعين العام والخاص، تعيش دائما في أزمة وتتطلب تدخل الدولة من خلال ضخ ملايير الدراهم من أجل ضمان نوع من التوازن سرعان ما يختفي، ولهذا يجب أن تكون هناك مراجعة عقلانية، من خلال طرح أسئلة مثل: أين تذهب هاته المساهمات؟ وما مصير الفصل الدستوري الخاص بربط المسؤولية بالمحاسبة؟

أعتقد أنه لا يمكننا أن نستهدف مباشرة الزيادة في سن التقاعد إلا بضمان تطور الأنظمة الصحية ومستوى العيش وظروف العمل وضمان تغطية صحية صلبة وقوية وناجعة.

بطبيعة الحال سيكون للزيادة في سن التقاعد انعكاسات على البطالة نوعا ما في القطاع العام من خلال تراجع عدد مناصب الشغل، وأعتقد أن العقلانية والحكامة هي كلمة السر في تدبير هذا التوازن.