رواية: أراضي الله

لايف ستايل - 15-02-2024

رواية: أراضي الله

اقتصادكم

قضيت جل حياتي في حيز ضيق من العالم يسمى بلوك الكدية بالحي المحمدي، بمقدورنا أيضا تسميته:هضبة أكبر المعزولين. هناك ترعرعت في حيز عدد قليل من المنازل. المئات من الوجوه التي لا تصدأ، أسماء بطولية غالبا كتلك الموجودة بالقرآن تعود لتذكرنا برجال عاشوا هنا قبلنا، رجال بنوا هذه القطعة من الأرض ليحملوا خطواتنا إلى الجميع. رجال عمروا هذه الزاوية النائية حيث يكون عليك أن تكون بغاية النضج والصلابة لكي تنفذ بجلدك من اللعبة.


بنيت عالمي بالقرب من شخصيات لا تنسى مثل أحمد، إدريس، خديجة، فاطمة، عبد القادر، رحمة، لمزابي، يطو، سي احمد، بنصالح، الحاج عبد القادر، وإبراهيم العقرب. هذا الأخير جسده كان كتابا يجعلك تحتار بين أن تكلمه أو تقرأه، هذا الشاب كان موشوما من أول أصابع قدميه إلى غاية منابت الشعر، مع عقرب حارس يجلس عند مقدمة يده اليمنى كمقدمة الكتاب أو مفتاح للقراءة. إبراهيم هذا كان يقول دائما بعد أن يكون قد عب ثلاث لترات من النبيذ الأحمر الرخيص، يدعى (شمس حارقة) بان الله كان شاهدا على قلبه الأبيض، كالحليب الذي سال ذات مرة من ثدي أمه. نعم ابيض كما خلق أول مرة. بالرغم من قضائه اليوم بطوله يعب النبيذ الأحمر. لمن يعرفه عن قرب، لم يكن سيئا إلى هذا الحد. ابراهيم المسكين شاب نحيف وجميل. في الحقيقة كان هادئا ولطيفا لا يحرك ساكنا. لم يكن عنيفا ولا حاقدا، كان مجرد شخص لا يتحمل الحياة بدون لتراته الثلاث من نبيذ شمس حارقة الذي أصبح يسري في عروقه تماما كدمه. لم يكن ذلك بأذى كما كان العقرب يردد طوال الوقت. فما كان يبدو لنا نبيذا كان عسلا في حلقه.


كان هناك أيضا بوعزة، واش وجبان. يتطلع بنظرة فاحشة ودنيئة ويمشي مشية الزواحف المتعطشة للدم. مثال حقيقي لفاسق حقير لم يعرف بالحي ندا له، يخبص في المئات من الخبطات كل يوم. بين مروج مخدرات وسارق ومحتال وجاسوس وديوث. مستوى متفوق من الأفعال الخبيثة التي يبذلها دون أدنى إحساس بالحرج. كان مرتاحا على أوسع نطاق، هذا النوع يمكنه أن يبيع أخاه لكي يضمن شرابه المساء، وفتاة ليل يكون قد سبق ورتب لها عدة مواعيد خلال تلك السهرة.
   

في الحي كان هناك أيضا وجه أيوب "البزناس" مروج المخدرات الرسمي في الركن. هذا الرجل كان نموذجا في ترويج الحشيش بوسائل مهووسة كمن يعدو بلا توقف.

بتعبيراته الغير مفهومة لا يكاد يصل إلى كل ما يفكر به، بحيث يبتلع نصفه ويعيده نشازا مشفرا بالنسبة للأعضاء الجدد الوافدين على عالمه. كان صديقا للجميع وعدوا للجميع معا بقدرة مذهلة يستطيع التنقل من حالة إلى أخرى بأحاسيس لا يشوبها أي تناقض في العمق. أيوب كان ذلك النوع الذي يستطيع استضافتك إلى وليمة رائعة، يدفع عنك ثمن أجمل فتاة في الحي ويغرس سكينا في ضلوعك في نهاية السهرة. 

كل ذلك بنفس الحركات الغير متناسقة وابتسامة لا تضاهى. أيوب اليوم هو بشكل ما، بين التقي الورع الإسلامي المتطرف وبين مروج المخدرات الذي لا يعوض. بلحية مصفوفة وجلابة مهندمة على طريقة التقي بالضبط، والجيوب مملوءة بالحشيش. التقي أيوبᴉ أين الله من كل هذا؟


"أوه، انه يعرف من أنا، إن الله لا يهتم بالشكل، المسألة مفهومة بيني وبينه، الأغبياء فقط من لا يفهمون أن الله كبير وذو قلب عظيم ولهذا يظهر لنا بأنه لا يرى ما نفعله تحت " يردد أيوب بابتسامة غائرة تمنحه مظهر من يمضغ صدغيه طول الوقت. يضيف أيوب بعد أن يكون قد تسطل، انه بين الصلاة ولفافة حشيش جيدة لا يوجد فرق في الأساس، كلاهما يحقق لك السلام الداخلي والطمأنينة وهذا هو المهم.


في خضم هذه الكوكبة من الوجوه البشرية، كان هناك قوام عزيزة الجميل، العاهرة التي لا تمنح محاسنها لغير الأغنياء. ما يطلق عليه امرأة ترمي شباكهاᴉ بمظهرها المترفع، تحمل رأسا جديرا بملكة من ملكات العهد القديم مع ابتسامة لابد وأن تظهرها الملائكة يوم الحساب في الآخرة. كانت تثاقل بصوتها عندما تتحدث. غالبا ما تذيل ابتسامتها بإشارة من كتفيها محركة نهديها المثيرين المتناحرين تحت قميص أحمر من الحرير. هذه هي الصورة التي أود الاحتفاظ بها عن هذه المرأة الجميلة إلى يوم الحساب.
 

يتبع..

عنوان الرواية : أراضي الله
المؤلف: عبد الحق نجيب