الشطر الثامن من الفصل "يـوم الرب" لرواية أراضي الله

لايف ستايل - 14-04-2024

الشطر الثامن من الفصل "يـوم الرب" لرواية أراضي الله

اقتصادكم

 

بقي سعيد متسمرا أمام الحافلة، بعيون منطفئة ووجه سقيم، الجسد مغطى بالدم والاذرع مرتخية، والبول ينطلق من عورته انطلاقا واضحا كمياه مباركة تتوخى غسل آلام جنسنا بالكامل. 

لخمس ثوان، ظننا بنهاية العالمᴉ لابد وأنه هكذا يوم الحساب، المدخل الرئيسي لجهنمᴉ سيجري الناس مثل الصغير سعيد، عراة وملطخون بالدماء، يبولون مثله دون عفو يرجىᴉ خمس ثوان لمس فيها سعيد جوهر العالم نفسه حيث تهدج الله حاميا جسده الصغير ورأيت الجموع مستعدة للقفز عليه لتسأله عما يحدث له؟ لماذا هذا الخلل الغير متوقع الذي زعزع هدوء حياتهم القذرة السعيدة؟ لماذا هذا الإنذار الثقيل الجهنمي في يوم هادئ ومشمس وجميل كشاطئ من الرمال لذهبية؟ لماذا عرض كهذا وما الذي يخفيه بول الصغير؟ ولكن في ظرف الخمس ثوان، لا أثر لله القدير: طار واختفى...لا يتعلق الأمر بانتظار أجوبة عن العالم الآخر.

 لقد نطق سعيد ذلك اليوم، جعل الله أن يسمع صوته في صمت رهيب، صمت يحمل ملامح قول مستعد للدفاع عن كل من خطا على هذه الأرض، حتى الموتى الذين لم يتبقى منهم غير العظام:" ما رأيكم؟ لدي ست سنوات وقد سبق وأن مت لمرات عديدة، لكن اليوم، أنا الذي أقول انتهى؛ انتهى الجحيم المجاني، انتهى العذاب لكي يكون للحياة معنى. اليوم، أنا من يختار الذهاب...انتهى البكاء والألم؛ انتهت دموع أختيᴉ اليوم، أنا من يقرر، وأقول أنّ اللعبة اقتربت من النهاية. لا أريد حياتكم هذه، لا أريد عالمكم هذا، لا أريد شارعكم هذا، أريد الذهاب والاختفاء، لا أريد النسيان أبدا لكي أعود وأسمم حياتكم وأذكركم أن الله تخلى عنكم وإلى الأبد".

 متظاهرا بأنه يجلس على الاسفلت، تسلل من بين الجموع وارتمى تحت سيارة تسير في الاتجاه المعاكس. في غضون بضع لحظات، تحول سعيد إلى شيء هجين أو ما يشبه جسد، مفصل تماما وقد قسم ظهره إلى نصفين وتهشم رأسه، لكن نظرته الواثقة كمن أقدم على العبور نحو الأبدية متحديا ملايين الثواني التي يفترض أن تتراكم لتشكل حياته. رحل عن العالم مثلما أتى إليه عاريا وملطخا بالدم. ولكن دونما صراخ. لم يسمع غير صرير الفرامل وفرقعة ساقه التي تكسرت تحت العجلات الخلفية للسيارة. 

صمتᴉ استأنفت الحياة دورتها البطيئةᴉ طفل يسحق أمام أعيننا القذرة دون أن نستطيع تحريك ساكن، دون كلمة أو وداع أخير. صمتᴉ كما لو أن الله أخرس أفواهنا كي لا نزعزع مخطط التضحيةᴉ هل كان محتاجا لهكذا خلاص على الملأ؟ هل كان محتاجا لدم سعيد لكي تستمر الحياة؟ هل كان جسد الصغير تهديدا لمسار الأشغال الإلهية؟ ما هو تفسير ما حدث أمامي؟ بماذا نسمي الله وبماذا نسمي سعيد؟ ومن بين الإثنين كان الإله ذلك الصباح؟ لقد مات الله للتو وسعيد حل محله في قلبي. لا طهارة لشيء آخر بعد الذي رأيت ذلك اليوم، تحت العجلات المتسخة لسيارة لسنوات عديدة بعد ذلك، هذه الصور لم تغادرني أبدا. حتى أنني أرى ظله يمر بركن من ممر مع شرذمة من الملائكة يجرون خلفه، يطلبون منه التوقف عن الجري لأنهم تعبوا من ملاحقته. لكن سعيد كان يشق الطريق أمامه، كمن يقصد الوصول إلى خط نهاية موجود بمكان ما، يعرفه وحده. 

هذا الخط هو الأبدية في قلبي وفي قلب كل الذين عرفوا سعيد. ليس لأن سعيد لم يعد موجودا، لا شيء موثوق بالحياة. تبقى الحياة مجرد محض صدفة، ولا يهم إلى أين وجهتنا. طالما هناك الكثير من سعيد لم يعد لهم وجود. لكن الله العظيم القدرة ومنذ أمد بعيد قرر إهداءنا عروضا أخرى. إنذارات أخرى عن جحيمه المستعر.