الشطر الثاني من الفصل "يـوم الرب" لرواية أراضي الله

لايف ستايل - 05-04-2024

الشطر الثاني من الفصل "يـوم الرب" لرواية أراضي الله

اقتصادكم

 


باخ هو الدليل الصارخ على أن الألم هو عصب الحياة. باخ وجملته المؤرقة التي تسترجع مثل وحي بلا صوت. 

وحي بيده مفتاح العالم، سر الجنة، لكنه لا يستطيع أبدا البوح به. باخ، إلاه بلا صوت، بلا رسائل، بلا جدول قوانين، بلا رسل. باخ إنه إلاه في كامل عريه، القاضي والمتهم الذي لا يستطيع أبدا أن ينطق بأدنى حكمᴉ عندئذ يصبح الله مثل "جوزيف ك" في محاكمة كافكا. كائن لا يعرف أي شيء، لكنه يواصل بقلب رشيق ككلب. 

نوع من سيزيف السعيد الذي ينفجر ضحكا كلما تدحرج حجره على منحدر الآلام. بمواجهة هذا النوع من الألم؛ ليس الله حاقدا ولا رحيما، هو مبتهج كمزمار مسحور لكنه أيضا صامت دائما. خفيف كمتسلقي القمم. هذه هي صورة الألم حينما طبع الله عليها ختمه، نفخ فيها خصوبته. هكذا هو موت صديقي يونس، طبع على جبيني إلى الأبد. قناع للشر، يقظة جزء منطفئ فيك إلى الأبد، فراغ شاسع ستكبر فجوته بعد وفاة والدي.

 لماذا نتألم؟ بعضنا سيجد السؤال من السخف بما كانᴉ آخرون لن يجيبوا عليه. أما أنا فأجرب حظي وهذا أيضا فيه خلاصي. نتألم لأننا نحيا، هكذا هب في يوما يونس وهو في أوج بكائه. كنا في الرابعة عشر من العمرᴉ حيث لم يدخر الألم عنا أسرارهᴉ أليست الحياة سوى هكذا: معاناة مجملة تحت شمس المولى؟ ندبة مرصعة برصاص الآخرين؟ الذين يهيجوننا، يلاحقوننا، يحبوننا، يهملوننا، يجعلوننا نلمس جنة الجحيم.

 وبعدها يقولون لنا مباشرة في أعيننا، بأننا هنا عابرون لنتذوق طعم الألم الذي يغدق به الله علينا بنفسه؟ حسن الذي كان الأكثر قساوة بيننا، كانت له نظريته الخاصة عن المعاناة، مع حسن كانت المعاناة قد اتخذت بعدا بروميثيوسيا تقريبا، أقول تقريبا لأنه بخلاف بروميثيوس، الذي بطريقة ما، تسبب لنفسه بالعقاب من طرف زيوس ومن كل آلهة الأولمبيون، حسن هنا بقي عاجزا عن فهم ما يريده الله منه. لماذا كل هذه المحن في حياة واحدة؟ لازمة كان يرددها دائما كلما اجتمعنا لشرب الشاي بالنعناع آخر الليل أمام دكان خالد المهجور الذي تسكنه الفئران. كان حسن يذيل كل رشفة من كأسه بتسبيحة عن الوجود. وهكذا تحسم الحسابات مع الحياة التي تعيدها إلى الواجهة مرة تلو أخرى. وهكذا كل ليلة نعود إلى نفس المكان حيث يكون علينا إعادة إنتاج العالم كما لو كنا نحن المسؤولين عنه.

 يجب القول بأننا كنا ثوارا رافضين إلى حد مروع، بثقة كنا نهاجم الله، والقيم الأخلاقية بالحي، والأهل الذين أخذوا منعطفا بعيدا عنا، والأمل الذي هجر منذ أمد بعيد، لكنه مازال يضايقنا بمظاهره الوهمية التي تحيي الجرح وتزيد الطين بلة. كنا ثائرين، لكن بقلق أقل وبضمائر مرتاحة. 


يتبع...