الشطر الحادي عشر من الفصل "يوم الرب" لرواية أراضي الله

لايف ستايل - 17-04-2024

الشطر الحادي عشر من الفصل "يوم الرب" لرواية أراضي الله

اقتصادكم

 

تشكل ممر عند قدومها على هيئة سلم نحو مهرجان الجنون الأكيد. قفزت الأم على جسد ابنها تتلوى به في كل اتجاه وتتمرغ على الإسفلت في حالة من الغضب العظيم. الناس كانوا يضحكون ولا أحد حاول انتزاع جثة الصبي المهشمة من أيدي هذه الجنية التي بدأت تعض لحم طفلها الميت مثل قطة تأكل صغارها خشية عدم القدرة على تأمين حياتهمᴉ " ارحمنا يا ربᴉ المرأة فقدت عقلهاᴉ المرأة فقدت عقلهاᴉ لا تتركوها تفعل هذاᴉ هذا حرام، حرامᴉᴉᴉ ".

 اللعنةᴉ كل ما يستطيع الناس فعله هو تقييم الخسائر: أم سعيد جنت؟ لربما هذا يحتاج إلى ترجمة؟ ألم يفهموا أن المرأة المسكينة أعصاب مخها كانت محترقة وهي ترى زوجها ابن العاهرة يرفس ابنها المسكين بحوافره المتسخة والمتعفنة؟ ربما لم يفهموا أن كل ما أرادته هو رجل وخبز من وقت لآخر، بعض الشتائم المهينة لتزيد من تعميق بؤسها؟ لا يفهمون أن ست سنوات من الشقاء مع متوحش اتخذته زوجا، هو أمر مدمر وإلى الأبد؟ واضح أن المسكينة الغبية لم تستطع التخلص منه لتنقذ ابنها، واضح أنها كانت خائفة، وأنها لم تعرف كيفᴉ لكن حتى الكلبة تقضم ذيل ذكرها لتحمي جراءهاᴉ بالنسبة لها هي لاᴉ كلما كانت تحرص عليه هو الا يغضب زوجها، ألا يقال له لا، وإلا لن يكون هناك جماعᴉ الإضراب التام عن المضاجعة لستة أشهر على الأقل. 

لتقضي المرأة المسكينة وقتها في الشكوى على كتف الجارة التي تنصحها بالذهاب عند أمي خناثة، الشوافة التي بالحي، لكي تبطل العين الشريرةᴉ ولكن ما يجب إبطاله هو الحياة الشريرةᴉ دون الرجوع إلى الماضي أو الرجوع إلى الذكريات أو الأطفال ولا إلى سعيد وعبوره السريع. إنها حياتكم القذرة التي يجب أن تتغير، أن تضرب عرض الحائط كل شيء، الماضي والحاضر وأن تبحث عن شيء آخر.

 هذا ما لم يستطع أحد أبدا فعله في الحي المحمدي. نعم ما كان يجب التحلي به هو الشجاعة لمحو كل شيء بجرة إصبع. لكن هل هو ممكن أن ننسى؟ ننسىᴉ كما لو أن الذاكرة موصولة بجهاز تحكمᴉ وحتى لو كان بإمكاننا إخفاء الأشياء بمكان ما بأدراج حياتنا التي يكسوها الغبار، من الذي يمكن أن يضمن لنا الراحة؟ من الذي سينقذنا من ليالي يعكرها الأرق والكوابيس والخوف؟ نعم، الخوف، الخوف من أن تجد نفسك مغمورا فجأة في نفس الوحل، تخوض مثل الجن برأس مغمور عند حد يسمى انعدام الأمان. نعم، الخوف من أن تتقاذف بك الريح العاتية التي تجمد الدم في عروقك وتقتل كل اندفاع بداخلك. نعم، الخوف من عدم القدرة على رفع رأسك مجددا، على المشي باستقامة، على أن تحب، على أن تسعد الآخرين، على أن تحلم. الخوف من عدم القدرة على الرفض، على أن ترفض الخضوع. 

الخوف من عدم القدرة على مواجهة الموت المحتوم، حتى أننا لا نستطيع أن نفتح له أذرعنا عندما يجتاح أحشاءنا كما لو كان مقدرا لشخص آخر ونحن اعترضنا طريقه بالخطأᴉ ننسى، لكن ماذا ننسى؟ أننا جعنا، أن الحياة سقتنا أفضل ما لديها من علقم وسموم بأيدي سحرة مطيّرين، لتقطع مصاريننا؟ ننسى أن الأهل لم يحظوا بالوقت ليقولوا لنا ولا لكي يحسسوننا بأنهم يحبوننا أكثر من أي شيء؟ ننسى أننا بكينا حياتنا دون أن نحياها؟ ننسى أننا بكينا موتنا قبل مجيئه؟ ننسى أننا كنا قرابين على مذبح الزور والخداع من كل صوب؟ ننسى أننا ولدنا معنا مصاصو دماء استنزفوا طاقتنا وشغفنا؟ ننسى أنهم قتلوا فينا الحلم والإرادة والحب والموهبة؟ ننسى، لكن ماذا؟ أننا نادرا ما نرى آباءنا وأن وجه الأب اليوم يتقمص وجوه أحلامنا، وآلامنا المجهضة، ورغباتنا التي لم يتم إشباعها؟ ننسى أن الرجل يبكي حياته المدمرة، اختياراته السيئة، زوجته التي يحبها والتي  عليه انفصل عنها  بسبب حسابات بسيطة، أطفاله الذين عذبهم والذين ما زالوا يدفعون بدلا عنه.

 نعم، يدفعون لأنه مهما كان تسامحهم، لا يعرفون معنى الكلمةᴉ لأنهم لم يحظوا بالمعنى الحقيقي للأبوة، الأبناء يسامحونه ويجدون له الأعذار، يؤلهونه أيضا ويندمون على مجرد نظرة نحوه لم تكن لطيفة، كلمة عابرة، غضب لم يكتموه. لكنهم في الحقيقة كانوا بحاجة لوالدهم. بحاجة لحنانه وكلامه ولرؤيتهم يكبرون أمامه...

يتبع...