الشطر الرابع من رواية "أراضي الله"

لايف ستايل - 18-02-2024

الشطر الرابع من رواية "أراضي الله"

اقتصادكم

 

 فقدت حضانة أبنائها ومنزلها وكل الماضي، على الأقل بقي لديها بعض المستقبل. سي أحمد، المجرم، استضافها في غرفة على السطح في بيت والديه حيث يسترجعان ذكرياتهما القديمة.
 

على هذه القطعة من أرض الله بالزنقة 6، كان هناك أيضا كل أولئك المتنقلون بين الأحياء الأخرى كانوا حالات مستقلة تماما لديهم زعماءهم الخاصين، لديهم غرفهم الوزارية، لديهم أصحاب قرار، وعرابين، ولديهم عائلات من العصابات وكل ما يلزم. وكل هذا العالم الجميل الذي لا يبحث على غير السعادة. كان من الممكن تسمية بلوك الكدية: هضبة السعادة بلا تكلفة. يكفي أن تستفيق الصبح، تغسل وجهك لتنظفه من وسخ العالم، تضع شكوكا ما بشيء ما، تطبع بشفاهك قبلة على يد أمك الموشومة ثم تنسحب متحديا الله وعالمه المشوب بالغضب.

 تأخذك الأيام في جولتها القاسية تحت شمس المولى، على أمل واحد أن يكون اليوم طويلا والغد أفضل من الأمس. أو ألا يأتي هذا الغد أبدا، أن يتمدد النهار بشكل لانهائي، إلى أن يتجاوز يوم الحساب أيضا. لأنه وكما يقول المجرم، " سبق وحوكمنا هنا تحت، هناك فوق، أريد قضاء الأيام مرتاحا وإلا عليهم أن يتركوني تحت الأرض وان لا يوقظوني أبدا." 
 
عندما أفكر بهذه الأيام السعيدة، أسماء وهامات تتزاحم لتشغل أصغر حيز من ذاكرتي مدينة بكاملها سكنت فكري وتتطلع إلى العودة إلى الحياة بعيدا عن الأيام وعن الزمن.
حياة متجددة، مشهودة، منقحة، مطعمة في مجرى السنين بالحب، بالعطاء والتسامح.

باللقاءات، بالفقد والنسيان. منذ عشرين عاما أعيش مع هاجس تقديم الشكر والامتنان للرجال والنساء الذين هدهدوا طفولتي. منذ سنوات عديدة أغذي الحاجة إلى الاعتراف بعظمة جيل تمت التضحية به على مذبح الحرية، بالكذب والنفاق والاحتيال والاستغلال، بعدم الكفاءة والتجنيد والخيانة والخداع والحيل والكراهية والجهل. لأن كل هؤلاء الوجوه كانوا يشغلون مكانة عالية في ذاكرتي، أعلى من الحياة، سيكون علي أن أكون وعاء لكل تجاربهم على اختلافها. نعم، كان يجب أن أكون الجرة حيث تدس أسرار هؤلاء وأولئك أفراحهم وأحزانهم. كان يجب أن يفتح منور يوما ما لكي يشق قبس من الضوء الجلي طريقه إلى قلوبنا.

بلوك الكدية بكل وضوحه، يظهر جمال قطعة من الأرض مقطوعة عن باقي العالم
كحال كل الأحياء الأخرى في المدينة. جزر صغيرة حقيقية معزولة حيث تحتشد الأحلام 
وتتراكم المآسي. ولكن هي هكذا الحياة، سعادة الناس الذين لا ينشغلون أبدا بما يحدث بعيدا خلف الحدود المتخيلة التي تربض في أذهانهم. ليس هناك شخص واحد يستطيع رفض قدره.

لا نتخيل بأن الحياة يمكنها أن تكون سهلة في مكان آخر. بالنسبة لنا ونحن صغار بين ست وعشر سنوات في تلك الحقبة، كان لدينا معيار واحد هو وجه الجار. كنا نقيس درجة مقاومة البعض للبعض الآخر باستراق النظر إلى خطوات إحدى الجارات، الضحك المرتج والعصابي للحاج، تذمر يلبس قناع الطرافة، رغبة لم تتشكل بعد أو ألم مؤذ جدا لكي يمر دونما تلميح. أذكر حشرجاتهم، لكنهم كانوا دائما سعداء. كانوا يصرخون لكن من الفرح. وإن كان سريا أو غير ملحوظ، لكنه يظهر في حركة أو في كلمة. باختصار، حتى حينما كان يطرق الموت، كان الفرح هناك لاستضافته. 

الفرح الذي لا مثيل له للذين يفتحون الباب للغموض ويتركونه ينمو دون أن يجرؤوا على انتزاعه إشارة واحدة على الأقل. في بيتنا، كنا نرفض أن نتعلم." لأجل ماذا؟ الذين يعلمون يعانون "، كان يقول حكيم الحي ولم يكن مخطئا.
 

يتبع..

عنوان الرواية : أراضي الله
المؤلف: عبد الحق نجيب