الشطر السابع من الفصل : الشيطان موجود في التفاصيل للرواية أراضي الله

لايف ستايل - 08-03-2024

الشطر السابع من الفصل : الشيطان موجود في التفاصيل للرواية أراضي الله

اقتصادكم

 

كان لعلياء أخ مزعج جدا، ذلك الأخرق الذي لا أذكر اسمه، اختفى في أحد الأيام دون سابق إنذار. علمنا فيما بعد بأنه كان عارض أزياء في وكالة أو ممثلا بالأفلام الإباحية في أمريكا. ليس مهما عمله، مهما يكن، كان جسده يشكل عاملا أساسيا في رفاهية حياته. 

هذا النوع كان مجرد جسد، بلا روح، مجرد كتلة من اللحم والعظام لا غير، لا شيء يسري في عروقه غير سائل خال من الدم والإنسانية، بلا ذاكرة وبلا أحاسيس، لا أنسى أبدا مظهره وهو يحكي عن التفاهات الأكثر غباء مما لم تسمع بها من قبل، لا شيء تقريبا يهمه غير الأقمشة وتفاهات الحلاقة. 

غريب أنه لم يكن شاذا هذا الرجل. من يدري ربما أصبح كذلك بمكان ما، في أحد الدروب المظلمة، وهو على قوائمه الأربع بصدد إسداء تكريم قوي للذكورة التي تجعله يربح بعض المال؟ أتذكره اليوم حين كان عليه أن يقدم لنا مبلغا من المال أنا ويونس، لكننا تظاهرنا بعدم الفهم. على أي حال، لم أستطع أبدا أن استلطف هذا المشؤوم الأخرق، إلا في حال أردنا أن ننتزع منه بعض العشرات من الدراهم. كنت أجعله يعتقد بأننا أصدقاء، وبأني أذخره لأوقات الشدة. أما هو، فقد كان يعشق رؤيتي أتحول مثل جني، أحكي بدوري أي شيء يعبر مخيلتي، لكي أنتزع منه بعض الدراهم.

كان وسيما مثل أخته، هو بالأحرى خرج من نفس القالب، طبيعي أن يكون شبقا جدا، بمؤخرة كتلك كان متأكدا من تحقيق ثروة، لمجرد بقائه مستلقيا. كانت علياء تقول لي دائما، بأنها تشتاق لأخيها. وبأنه قدر غريب ما أصاب عائلتها،" نحن ممزقون لألف قطعة دون أن ندرك ذلك" تقول الرائعة علياء: "تفرقنا كالبذور في فاكهة فاسدة، تنمو كل في مكان، منقطعين عن كل ما يربطنا بالماضي. نحن بلا وطن، ما دمنا بلا عائلة وبلا جذور، إنهم الأقرباء هم من يدعموننا في الحياة. حياتي تتفتت كل يوم دون أمل في إعادة تجميعها " وكانت محقة.
 
بعد سفر علياء إلى أوربا مع زوجها السينمائي الفاشل، تبين أنها زارت صديقنا علي، الذي بدا حريصا على تمتين الروابط بيننا جميعا. قالت بانها قضت معه ثلاثة أيام في بودابست حيث أصبح مخرجا مسرحيا. قبل سنوات كان قد وعدني بأن يخرج فيلما عني، كما كنت قد وعدته بأن أحكي قصته في أحد كتبي. كان يريد أن يصبح سينمائيا، كان شغوفا بالصور، حتى أنه كان يقول بأن الصورة هي أكثر من كتاب.

بل أكثر من مائة كتاب، لأن صورة واحدة قادرة على تغيير العالم. أنا كنت أود أن أصبح كاتبا، ان أحكي بالكلمات قصة أهلي، أن أفتح لهم معبرا نحو الأجيال القادمة، أن أنقذهم من التلاشي والنسيان. أن أكون شاهدا على شجاعتهم وقدرتهم على تحمل الحياة. أخرج علي فيلمه، قبل بضع سنوات عنونه "غبار الشمس"، ولكن عوض أن يتكلم فيه عن حياتي كما وعدني، جعله يدور حول حياة أخي الأكبر، الشاب الذي ترك بصمته بارزة في حياتنا جميعا. قصة طويلة بين علي وأخي، سأحكها يوما ما في كتاب آخر.

لكن هذا الغبار شق طريقه في العالم، كما لمعت شمس علي جدا. بعد ذلك أخرج من الفيلم نفسه مسرحية ناجحة أحرز بواسطتها جائزة بإسطنبول، وميلان ولست أدري أين أيضا. كان علي يقول لي بأنه لا توجد أرض عذراء إلى حيث نستطيع أن نلوذ بالفرار أو الرحيل، فلتلعب دور الله ولتخلق عالمك. لكنه اليوم مخرج سينمائي في بلاد المجر يتكلم هراءهم الملعون الذي لا يمكن النطق به، بحيث أصبح بإمكانه الجمع بين ثلاث أو أربع أحرف ساكنة مثلهم دون ارتكاب خطأ واحد. ما يعني أنه بمكان ما من الأرض وجد قطعة حيث بإمكانه أن يستقر ويمد جذوره. 

والده لم ير أبدا فيلمه ولا أمه، لأن يرفض فكرة الرجوع إلى أهله "وفيما سيفيدني لو عدت، ولماذا أعرض الفيلم عندنا، على جهلاء لا تهمهم الثقافة في شيء؟ ترفهم الوحيد هو الأكل والنوم، أدفع ثمن الطائرة، لأعرض فيلما عن الخداع والرذيلة، لا شكرا، أهلي أيضا لن يعجبهم أن أعرض فيلما يتضمن تفاصيل حياتهم، سيفكرون بأني خنتهم، وهو ما لا يخلو من بعض الحقيقة، لا، أبدا. هذا البلد ميت، ملعون، ضائع، مهزلة تجرفها رياح المجرة التي تتلف الذاكرة، يجب المغادرة، يجب الهرب يا أخي قبل فوات الأوان ".