الشطر السادس والعشرين من الفصل : الشيطان موجود في التفاصيل للرواية أراضي الله

لايف ستايل - 27-03-2024

الشطر السادس والعشرين من الفصل : الشيطان موجود في التفاصيل للرواية أراضي الله

اقتصادكم

 


أكثر ما كان يزعجني، هو تذمر الأطفال وشكاويهم حول لماذا كان هذا ميتا قبل أن يقتل ذاك الآخر، وذاك الثالث الذي سرق المال من الرابع الذي يجب أن يكون البطل، وبالتالي من المستحيل أن تتم سرقته فهو وسيم وقويᴉ .

-" لا أحد يستطيع سرقة البطل. لا، لا أريد أن أعرف شيئا. هو، يعني هو، الآخر هو من تجب سرقتهᴉ"
تكون الشكوى حفلا من الأصوات المتناظرة والصاخبة لأطفال محبطين ومستعدين لاستعادة مالهم بالكامل ابتداء من أول الأسبوع. بما أني أعرض عليهم الأفلام على شكل فقرات لأجل التشويق كل مساء.

-" لكن الآخر هو البطل، صاحب الشارب الأنيق. هو الذي يجب أن يعيد الحقيبة للزعيم الذي يسكن في المنزل القريب من النهر الذي شاهدتموه قبل قليل. لا يستطيع الزعيم أن يطلب مثل هذه المهمة الجسيمة من مجرد كومبارس في الفيلم" رددت قائلا على نوبة الغضب التي اعترتهم.
-" لا ليس صحيحا. أنت تود دائما أن يكون صاحب الشارب هو البطل في كل الأفلام. تضعه في كل موضع وتدعي أنه هو الزعيم".

 أمام هذا العرض تضيع مني البراهين. صحيح، كان لدي بعض الميل لشخصية ما، حيث كنت أدخل مقاطع لها في كل الأفلام التي كنت أركبها. في كل مكان، حتى عندما تكون الحقبة الزمنية غير ملائمة. كان ينتمي لعصر بونابارت، وكنت أحيانا أجعله يمثل في أفلام الكونفو والكاراتيه. هذه المفارقة التاريخية كانت تبدو لي معقولة، كانت عبارة عن مزيج من الأنماط التي لا تؤثر على رؤيتي السينمائية، لكن أصحابي في الحي يجدون ذلك تافها.

-" اترك لنا الفيلم كما كان قبل أن تسرقه من عند با لكبير. من فضلك لا تغير شيئا، لماذا تضيع وقتك في تقطيع الصور الواحدة تلو الأخرى؟ أترك النهاية كما هي واعرضها. لا...لا تغير أي شيء."
  كان لذلك وقع سيء في نفسي، وكنت أستسهب في إيضاحات لم يكن الأصدقاء يودون سماعها. في النهاية كنت أواسي نفسي بالقول بأنهم لا يفهمون شيئا، وأن السينما التي أقدمها هي من نفس معيار تلك الأفلام التي نشاهدها على التلفزيون كل يوم أحد. كنت أضرب لهم المثل بالعراب الذي أقتبس وأعد في تلك الفترة بنسخة مغربية، ليتم بته كل يوم أحد بعد الزوال. 

هذا المثال الذي من المفروض أنه لا يضاهى يصبح لا شيء مادام الأطفال لا يشاهدون التلفزيون أبدا يوم الأحد بعد الزوال، لأنهم يكونون منشغلين بلعب كرة القدم، لهذا فقد كان العراب هو آخر اهتماماتهم. بالنسبة لي كان هذا الفيلم هو ذروة الفن. كنت أعيد رؤية المشاهد وحدي في الظلام، تحت الغطاء بينما جميع افراد الأسرة يغطون في نوم عميق. العراب هذا العجوز الطيب كان ذا هيبة ووقار. كان يكفيني أن أكرر المشهد حيث يمرر أصابعه المتلبدة على خده قبل أن يخاطب أبناءه، لكي أحس أنه لا يمكن المساس بي. كما تبين لي أن بيني وبين عائلته بعض الألفة، انني متزوج من ابنته بدل ذلك الصهر الواشي، أنني رئيس العصابة وأذهب للسطو دون حاجة لمسدسات، أكبر احتياطي وطني للولايات المتحدة الأمريكية. كنت أحلم بالبدلة المقلمة، وسيارات السيدان الكبيرة السوداء مع سائقين معطرين ومستعدين لمحو أي كان عند أدنى شك. 

كنت أتخيلني مثل رجال العصابات، سادة أفاضل وأشرار في نفس الوقت، يستطيعون قراءة دواخل الآخرين بنظرة واحدة، تعجبني طريقة مقاربتهم للحياة ولا مبالاتهم، لديهم أيضا قدرة التخلص من أعباء الحياة بأريحية، وتركها تتحلل بين خيوط الفساتين والسيدات العاشقات، اللواتي لا يثنيهن شيء عن عشقهن لهؤلاء القتلة. كيف لنساء بغاية الجمال والروعة أن يقعن في حب مجنون تجاه رجال مروعين للغاية؟ هذا اللغز كان يبدو لي مشبعا بالجمال، وفيلم العراب يغذي هذا اللغز بالغموض الذي يكتنف شخصياته.


يتبع...