اقتصادكم
لطالما كانت الروائح والألوان محفزا قويا للذاكرة، تلك المنظومة العصبية المعقدة، التي تتحكم في سلوك المرء، فلبرهة من الزمن، تنقله ذكرى جميلة من حالة حزن إلى فرح، بشكل يثير الدهشة.
للعلامات التجارية أيضا ذلك التأثير، إذ يكفي مطالعة إحداها، حتى تتهاوى أدراج العمر ويعود شريط الحياة بتفاصيله الحلوة والمرة إلى الوراء. علامات مثل "جرما" و"لاسيكون" و"أولماس" و"ستيام"، طبعت حياة المغاربة، ورافقتهم خلال محطات حياتهم المختلفة، وشكلت موضوع كتاب جامع حول قيمة العلامة وتأثيرها في المجتمع، حمل اسم "براند يور موروكو"، ضمن سلسلة لغات الجنوب، إذ يستعرض جون نويل كابفيفير، الخبير الفرنسي في العلامات التجارية، أبعادا جدية للعلامات، لا تقف عند حدودها التجارية المعروفة، بل تتعداها إلى ما هو أبعد من ذلك، باعتبارها صورة للدعاية والانفتاح الثقافيين على الخارج.
من ذا الذي لا يعرف عائشة، تلك الفتاة الصغيرة ذات الظفائر، التي شكلت وجدان أجيال من المغاربة على مدى 40 سنة، من خلال وصلات إشهارية حفرت الذاكرة، وأسست لعلامة تجارية فريدة عابرة للحدود، ذلك أن العلامة كانت حاضرة منذ 1929 على معلبات شركة "نيرون أند سيبيت"، التي توجه إنتاجها أساسا إلى التصدير، إلا أن قصة النجاح التاريخية لـ"عائشة"، انطلقت في 1962، حين تم اقتناء الشركة المذكورة من قبل عائلة "ديفيكو"، ليتحول أسمها إلى "معلبات مكناس"، إذ قرر الملاك الجدد حينها الاستثمار في السوق المحلي، والعمل على تطوير العلامة.
واستطاعت "عائشة" خلال سنوات قليلة، حجز مكان لـ"معلبات مكناس" في سوق الصناعات الغذائية بالمملكة، وتمكنت من بناء سمعة الامتياز والكمال في مصنعها بعين سلوكي، من خلال منتوجين معروفين، هما المربى ومركز الطماطم، إلى جانب زيت الزيتون المصفى، الذي وجه أغلبه إلى التصدير.
اتخذ تطور العلامة منحى آخر في 1976، حين أشرف مردوخ ديفيكو على تصميم دمية "عائشة" في استوديوهات "إديفيكس"، فيما تكلفت الإذاعة والتلفزة الوطنية آنذاك، ببث الوصلة الإشهارية المصورة الأولى من نوعها خلال تلك الفترة، التي تظهر الدمية المتحركة إلى جانب شخصيات صغيرة أخرى، ينشدون أغنية طبعت ذاكرة الأجيال، قبل تحويل الدمية إلى النظام ثلاثي الأبعاد "3 دي"، ما شكل ثورة في 2012.
وتظهر المؤشرات المالية للعلامة اليوم، آفاقا واعدة، ذلك أنها تعتبر أول منتج لمركز الطماطم في المغرب، وأول مصدر وطني لزيت الزيتون، إذ تستحوذ على 60 % من رقم معاملات السوق المحلي، و40 % عند التصدير. أما ما يتعلق بالمسؤولية الاجتماعية، فالعلامة شريك في البرامج البيداغوجية في المدارس، إلى جانب دعمها للمرأة، خصوصا في المجال الرياضي، من خلال "رالي عائشة دي غازيل".