اقتصادكم
لطالما كانت الروائح والألوان محفزا قويا للذاكرة، تلك المنظومة العصبية المعقدة، التي تتحكم في سلوك المرء، فلبرهة من الزمن، تنقله ذكرى جميلة من حالة حزن إلى فرح، بشكل يثير الدهشة. للعلامات التجارية أيضا ذلك التأثير، إذ يكفي مطالعة إحداها، حتى تتهاوى أدراج العمر ويعود شريط الحياة بتفاصيله الحلوة والمرة إلى الوراء.
علامات مثل "جرما" و"لاسيكون" و"أولماس" و"ستيام"، طبعت حياة المغاربة، ورافقتهم خلال محطات حياتهم المختلفة، وشكلت موضوع كتاب جامع حول قيمة العلامة وتأثيرها في المجتمع، حمل اسم "براند يور موروكو"، ضمن سلسلة لغات الجنوب، إذ يستعرض جون نويل كابفيفير، الخبير الفرنسي في العلامات التجارية، أبعادا جدية للعلامات، لا تقف عند حدودها التجارية المعروفة، بل تتعداها إلى ما هو أبعد من ذلك، باعتبارها صورة للدعاية والانفتاح الثقافيين على الخارج.
على مدى سنوات، كان "لاسيكون" المشروب الغازي المفضل لدى المغاربة في جميع أنحاء المملكة، الكبير قبل الصغير يتذكر القنينة الزجاجية الخضراء والبيضاء، التي اختفت من السوق في 1997، بعد رحلة طويلة، طبعها المذاق والطعم المميزين. العودة إلى تاريخ العلامة، يكشف عن معطيات غريبة، ذلك أنه خلال 1929، حين قررت شركة "براسري دي ماروك"، الشروع في تسويق المشروب الغازي الأبيض، تحت اسم "لاسيكون"، كانت قبل ذلك بعشر سنوات، تسوق جعة تحمل الاسم نفسه، والعلامة المميزة ذاتها "طائر اللقلق".
التصميم المميز للقنينة، أكسب "لاسيكون" تسمية شعبية جديدة، هي "الحرشة"، بالنظر إلى التموجات التي غطت السطح الزجاجي، في الوقت الذي ظل المشروب الأبيض الغازي المحلى، منفذا للانتعاش خلال فترات الحرارة والقيظ. وارتبط استهلاك المشروب بعادات معينة، لا يتذكرها سوى من عاصر المنتوج قبل اختفائه من السوق، تتعلق بإعادة الزجاجة الفارغة إلى صاحب الدكان، بعد استهلاكها، والتي يعيدها بدوره إلى المصنع من أجل تعبئتها من جديد، فيما قاد تزايد الطلب خلال فترات معينة على المشروب، مجموعة من المستهلكين إلى طرق أبواب المصنع من اجل تعبئة قناني "لاسيكون".
وخلال السبعينات، استقرت "لاسيكون" على علامتها التجارية المميزة، وأطلقت تشكيلة من القناني، همت قنينة من الزجاج الأخضر، ذات غطاء دوار، سعة 1.5 لتر، وأخرى أصغر حجما (سعة 33 سنتيلترا)، بالمواصفات نفسها. ويرتبط المشروب الغازي بمجموعة من المترادفات، المتمثلة في العطل والشباب، واللقاءات العائلية، وكذا رمضان والأعياد والمناسبات المختلفة (زواج وأعياد ميلاد...)، علما أن استهلاك المنتوج كان يتم فور اقتنائه من نقط البيع، بسبب ندرة الثلاجات المنزلية آنذاك، فيما يصعب نسيان أول الوصلات الإشهارية الترويجية الخاصة بالمشروب، والتي انتشر أحد مقاطعها على نطاق واسع بين المستهلكين خلال تلك الفترة، "مونادا لاسيكون.. عجيبة".
بدر الدين عتيقي