كأس أفريقيا 2025 بالمغرب.. عندما تصبح كرة القدم رافعة للاقتصاد الوطني

كأس أفريقيا - 17-12-2025

كأس أفريقيا 2025 بالمغرب.. عندما تصبح كرة القدم رافعة للاقتصاد الوطني

اقتصادكم - نهاد بجاج 

على بعد أيام من انطلاق كأس أفريقيا للأمم 2025، يدخل المغرب مرحلة حاسمة استعدادا لاحتضان هذا الحدث القاري البارز، البطولة التي ستعرف مشاركة 24 منتخبا واستقبال جماهير من مختلف أنحاء العالم، لا تعد مجرد موعد كروي، بل خطوة تحمل أبعادا تتجاوز الرياضة، فهي فرصة اقتصادية واستراتيجية حقيقية تعزز حضور المملكة القاري والدولي، ويبقى التساؤل قائما: إلى أي حد ستتمكن هذه الاستثمارات من ترجمة الحدث إلى مكاسب مستدامة تتجاوز فترة البطولة؟

يرى عدد من الخبراء والمحللين الاقتصاديين أن المغرب نجح خلال السنوات الأخيرة في تحقيق تحولات لافتة في قطاعات متعددة، من الطاقات المتجددة إلى تطوير البنية التحتية وتنفيذ مشاريع صناعية كبرى، كما تمكن من ترسيخ مكانته في الدبلوماسية الرياضية بفضل أداء منتخباته الوطنية وقدرته التنظيمية المتقدمة.

 وفي هذا السياق، يوضح خالد دومو، المحلل الاقتصادي أن تنظيم النسخة الحالية من كأس أفريقيا يمثل فرصة حقيقية للنمو، خاصة مع الإقبال الكبير على التذاكر من دول أفريقية ومن العديد من الدول عبر العالم، مشيرا إلى أن الاستثمارات السابقة في الملاعب والتجهيزات وتقنيات البث توفر قاعدة قوية لتحقيق مكاسب ملموسة، بعيدا عن الحسابات التقليدية التي تركز على مقارنة الإيرادات بالنفقات.

وأكد دومو، أن النجاحات التي حققتها الكرة المغربية قاريا ودوليا ليست وليدة الصدفة، بل جاءت نتيجة استراتيجية بدأت مع تأسيس أكاديمية محمد السادس لكرة القدم سنة 2009، مشيرا إلى الدور البارز لرئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، فوزي لقجع، في تعزيز مكانة الكرة الوطنية على المستوى العالمي.

وأضاف المحلل الاقتصادي، أن هذه الدينامية تصطدم داخليا بتحديات هيكلية تشمل ضعف التدبير الإداري للأندية، تبعية الملاعب للبلديات، وعدم تفعيل نموذج الشركات الرياضية، موضحا أن أندية مغربية مثل الوداد والجيش والرجاء تحتل مراكز متقدمة قاريا، إلا أن الاقتصاد الرياضي الوطني لا يزال بعيدا عن الإمكانات المتاحة، مؤكدا على حاجة أندية القسم الأول والثاني إلى دعم أوسع، وإمكانية لعب القطاع البنكي دورا محوريا في مواكبة الاستثمار الرياضي وتعزيز الحكامة المالية.

وأشار خالد دومو، في تصريح لموقع "اقتصادكم"، إلى أن المغرب رسخ مكانته كبلد قادر على تنظيم تظاهرات رياضية كبرى، ما جعله يحظى بثقة "الكاف" و"الفيفا"، موضحا أن كأس أفريقيا 2025 تشكل اختبارا عمليا قبل استضافة نهائيات كأس العالم 2030، مؤكدا في الوقت نفسه على أهمية الحدث في دعم النمو الاقتصادي، خاصة مع توافد الجاليات الأفريقية المقيمة في أوروبا لمتابعة المباريات.

كرة القدم بين محدودية العائد وضرورة إصلاح المنظومة

وأشار المحلل إلى أن مساهمة كرة القدم في الناتج الداخلي الخام ما تزال محدودة، رغم توفر قاعدة واعدة من المواهب، مشيدا بالمنتخب المغربي لأقل من 20 سنة المتوج بكأس العالم لهذه الفئة، باعتباره دليلا على قدرة المغرب على تحقيق نتائج مهمة عند توفر شروط العمل المناسبة.

وختم المحلل حديثه مؤكدا أن تنظيم كأس أفريقيا للأمم 2025 يشكل فرصة ذهبية للمغرب لتعزيز مكانته الرياضية والاقتصادية، مردفا أن استدامة هذا الزخم تبقى مرتبطة بتسريع الإصلاحات داخل المنظومة الكروية، مشددا على أن الرهان الأساسي يكمن في تحويل نجاح البطولة إلى خطوات عملية ترسخ موقع الكرة المغربية قاريا وعالميا.

وفي قراءة مكملة، يرى المحلل الاقتصادي رشيد أوراز، أن تقدير العائدات الإجمالية لكأس أفريقيا للأمم 2025 يظل مهمة معقدة في الوقت الراهن، لأن طبيعة هذه التظاهرات الرياضية تجعل مردوديتها المباشرة محدودة، خصوصا بالنسبة للدول التي تستضيف البطولة لأول مرة وتدخل في مرحلة استثمارية كبيرة لتجهيز البنية التحتية والرفع من مستوى الخدمات الأساسية. 

ويؤكد أوراز، أن مثل هذه التظاهرات لا تقاس فقط بمداخيل التذاكر أو العائدات السياحية الفورية، بل بمدى قدرتها على إحداث سلسلة أثر تمتد لسنوات، سواء على مستوى تحسين صورة البلد أو تعزيز قدرته على جذب الاستثمارات الأجنبية في قطاعات غير رياضية أيضا.

ويضيف المحلل الإقتصادي، أن النسخة المغربية من البطولة تبدو مرشحة لتحقيق عائدات أكبر من سابقاتها، بالنظر إلى مكانة المغرب الاقتصادية وحجمه في القارة، إضافة إلى السمعة التي راكمها خلال السنوات الأخيرة في تنظيم أحداث كبرى بفضل الاستقرار الأمني وتطور البنى التحتية. 

كما يشير إلى أن المملكة أصبحت تنظر إليها كوجهة صاعدة في مجال السياحة الرياضية، وهو ما قد يرفع من متوسط إنفاق الزوار ويزيد من الطلب على خدمات الفندقة والنقل والأنشطة الموازية.

ويعتبر أوراز أن البطولة ستحدث فرص شغل موسمية قد تمتد أشهرخلال وبعد الحدث، وستستفيد منها شريحة واسعة من الشركات، خاصة شركات الخدمات، والمقاولات المتوسطة والصغرى، ومقدمو الخدمات السياحية. 

كما ستحرك البطولة قطاعات غير مباشرة مثل الإعلام الرقمي، التسويق، الإنتاج السمعي البصري، النقل الحضري، التجارة الصغيرة، والفعاليات الثقافية المصاحبة، مؤكدا أن هذه الدينامية ستكون اختبارا مهما لقدرة الاقتصاد الوطني على استيعاب الطلب المرتفع وتقديم خدمات تنافسية بجودة عالية.

ويشير أوراز، إلى أن الأثر الأكبر للبطولة قد لا يظهر فورا، بل سيظهر لاحقا من خلال تعزيز ثقة المستثمرين الدوليين في قدرة المغرب على إدارة مشاريع كبرى، وهو ما يشكل عنصرا أساسيا في الاستعداد لاحتضان كأس العالم 2030. 

ويضيف أن استمرار هذا الزخم الاقتصادي سيكون رهينا بقدرة المغرب على ضمان استمرارية التنظيم، واستثمار الخبرات المكتسبة في تطوير سوق الرياضة الذي يمكن أن يتحول إلى رافعة اقتصادية حقيقية إذا توفرت له الشروط التنظيمية والقانونية الحديثة.