أثرها يتجاوز البطولة.. كيف تسهم الرقمنة في نجاح “الكان”؟

كأس أفريقيا "اقتصادكم" بمساندة صوفاك - 15-12-2025

أثرها يتجاوز البطولة.. كيف تسهم الرقمنة في نجاح “الكان”؟

 

اقتصادكم – حنان الزيتوني

 

تحدث البطولات الدولية الكبرى دينامية اقتصادية قوية داخل المدن المستضيفة، حيث يرتفع الإقبال على مختلف الخدمات، وتنتعش الحركة التجارية، وتتوسع فرص العمل المصاحبة لتدفق الجماهير، وفي هذا السياق، تبرز الرقمنة عاملا حاسما في تحويل هذا النشاط إلى مردودية حقيقية، إذ تسهل الولوج إلى الخدمات، وتختزل زمن الانتظار، وترفع من جودة التجربة الجماهيرية، بما ينعكس إيجابا على الاقتصاد العام ودينامية السوق خلال فترة البطولة.

القطاعات الأكثر استفادة

وفي هذا الإطار، قدم بدر بلاج، خبير الشبكات المركزية، رؤية مفصلة حول دور الرقمنة في دعم البطولة، مؤكدا أن المغرب يحتاج أولا إلى تحسين التطبيقات الحالية الخاصة بالحجز وشراء التذاكر، بالنظر إلى الإشكالات التي ظهرت مؤخرا، ويرى أن الحل الأمثل يكمن في تعزيز الأنظمة الرقمية العاملة على مدار الساعة، وربطها بوسائل التواصل الاجتماعي، لضمان وصول المعلومة بشكل فوري وآني.

وأشار بلاج، في تصريح لموقع "اقتصادكم"، إلى أن المغرب مطالب أيضا بتطوير تطبيقات رقمية مبتكرة، يمكن لشركات ناشئة مغربية أن تتولى تصميمها، على غرار التجارب المعتمدة في دول أخرى، ويمكن لهذه التطبيقات أن تقدم محتوى خاصا باللاعبين، وإعادات فورية، وتصويتات للجماهير، وتوجيهات رقمية تسهل الولوج إلى الملاعب والخروج منها، فضلا عن إعادة تشكيل التجربة الجماهيرية بما يتلاءم مع الزائر الأجنبي الراغب في فهم المدينة والمنشآت الرياضية بسهولة.

كما دعا بلاج إلى توظيف تقنيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي لرفع جودة المحتوى البصري، من خلال توجيه الكاميرات نحو أفضل اللقطات وتحسين تجربة المشاهدة، وشدد في السياق ذاته على أهمية الاستفادة من تكنولوجيا “البلوك تشين” لحماية المعطيات ومنع التلاعب بالبيانات أو حذفها، خاصة فيما يتعلق بالقرارات التحكيمية واللقطات الحساسة التي تتطلب قدرًا عاليًا من الشفافية.

دينامية المدن المستضيفة

تشهد المدن المستضيفة عادة دينامية غير مسبوقة، حيث تتحول إلى فضاءات لالتقاء الجماهير وتبادل التجارب الثقافية، وتستفيد الفنادق ودور الضيافة من هذه الحركية، بينما تتوسع الخدمات المحيطة بالملاعب، من نقل وتغذية وترفيه، وتلعب الرقمنة هنا دور المنظم الأساسي لهذه الدينامية، من خلال تطبيقات توجه الزوار، وتسهل عمليات الحجز، وتضمن تجربة آمنة وحديثة.


ومن المعروف أن كل بطولة ناجحة تبعث برسالة واضحة إلى المستثمرين الدوليين، مفادها أن المغرب قادر على إدارة مشاريع كبرى بأداء مستقر ورؤية حديثة، ما يعزز الثقة في بيئته الاقتصادية، ويجعل من قطاعيه الرقمي واللوجستي وجهتين جاذبتين لرؤوس الأموال الأجنبية، كما تسهم التغطيات الإعلامية الدولية في إبراز صورة المغرب كوجهة مستقرة، حديثة، ومتقدمة تكنولوجيا.

ويمتد أثر البطولة إلى ما بعد نهايتها، إذ يظل جزء كبير من الاستثمارات والبنيات الرقمية في الخدمة، ويطور المهنيون والمهندسون مهاراتهم في التعامل مع أنظمة الذكاء الاصطناعي، وإدارة البيانات، والمراقبة الذكية، والتحليل الرقمي للأداء، وتشكل هذه العناصر مجتمعة رصيدا بشريا وتقنيا متقدما، يرفع من قدرة البلاد على تنظيم تظاهرات أكبر مستقبلا.

الأبعاد الاجتماعية

وفي حديث مع موقع "اقتصادكم"، أوضح عدد من الخبراء أن بطولة “الكان” المرتقبة تخلق فضاء اجتماعيا واسعا للشباب، يعزز قدراتهم الإبداعية، ويفتح أمامهم آفاقا رياضية ورقمية متطورة، كما يتم تجديد عدد من البنيات الرياضية التي تبقى في خدمة الجمعيات والنوادي، ما يدعم الممارسة الرياضية القاعدية. وتساهم الرقمنة في توفير محتوى مرئي عالي الجودة، وإعادات دقيقة، وشفافية في القرارات التحكيمية، بما يرسخ ثقافة رياضية قائمة على النقاش والتحليل بدل الجدل والتوتر.

وأكد المتحدثون أن الرياضة باتت اليوم لغة عالمية، وأن الدول التي تقدم تجربة تنظيمية راقية تفرض نفسها كقوى دبلوماسية ناعمة، ومن خلال إدماج الرقمنة في تنظيم بطولاته المقبلة، سواء “كان 2025” أو مونديال 2030، يعزز المغرب موقعه كفاعل رياضي إفريقي يمتلك الخبرة والبنية الرقمية القادرة على احتضان الأحداث القارية والدولية، بما يدعم حضوره السياسي والاقتصادي إقليميا ودوليا.

التحليل الكمي

وتشير تجارب تنظيم بطولات دولية مماثلة إلى ارتفاع الطلب السياحي بمعدلات تتراوح بين 30 و65 في المائة، فيما تشهد خدمات النقل نموا قد يصل، خلال أيام المباريات، إلى نحو 50 في المائة مقارنة بالفترات العادية، أما نسب الإشغال الفندقي، فتقترب من 90 إلى 100 في المائة في المدن التي تحتضن الملاعب الرئيسية، كما تسهم هذه التظاهرات في خلق آلاف فرص العمل المؤقتة، وإبرام عشرات العقود في مجالات الأمن الرقمي، والبث، والتغطية الإعلامية، والتجهيزات التقنية، مع تحقيق عائدات تقدر بمئات الملايين من الدراهم، وفق حجم البطولة ومستوى الإقبال الجماهيري.

التحديات التقنية وحلولها

ويؤكد الخبراء أن إدارة الحشود بالذكاء الاصطناعي، واعتماد التذاكر الرقمية المشفرة، وتأمين الخوادم ضد الهجمات السيبرانية، تعد من أسس نجاح أي بطولة حديثة، كما يشكل اختبار المنظومات الرقمية قبل انطلاق المنافسات، وقياس أدائها عبر مؤشرات الجودة ورضا الجمهور، خطوة أساسية لجعل التجربة الرقمية جزءا من الهوية المميزة للحدث.