مرحلة اقتصادية مفصلية.. كأس أفريقيا تسرع مخططات المغرب التنموية

كأس أفريقيا "اقتصادكم" - 25-12-2025

مرحلة اقتصادية مفصلية.. كأس أفريقيا تسرع مخططات المغرب التنموية

اقتصادكم - سعد مفكير

يواصل المغرب البحث عن الاستفادة القصوى من تنظيم نهائيات كأس أمم أفريقيا، خاصة على المستوى الاقتصادي والتسويقي والسياحي، وهو الذي يقف اليوم أمام مرحلة اقتصادية تنموية مفصلية. 

وقال الخبير الاقتصادي محمد جدري، في تصريح لموقع اقتصادكم، إنه من المرات القليلة في تاريخ المملكة التي تتوفر فيها رؤية اقتصادية واضحة المعالم ومحددة الأهداف، تُعرف برؤية 2035، والتي تروم إحداث تحول عميق في بنية الاقتصاد الوطني.

وتهدف هذه الرؤية، في جوهرها، حسب الخبير، إلى مضاعفة الناتج الداخلي الخام، من حوالي 130 مليار دولار سنة 2021 إلى ما يفوق 260 مليار دولار في أفق 2035 على أرض الواقع، كما تسعى إلى الرفع من متوسط الدخل الشهري للمواطنات والمواطنين، لينتقل من حوالي 3000 إلى 7000 درهم حاليًا، إلى ما يفوق 11 ألف درهم في أفق 2035.

ولتحقيق هذه الغايات الطموحة، تم تحديد مجموعة من الأهداف الاستراتيجية الأساسية، من بينها بلوغ 26 مليون سائح في أفق سنة 2030، وتحويل المغرب إلى بلد صناعي مكتمل الأركان، عبر رفع مساهمة الصناعة في الناتج الداخلي الخام إلى حوالي 45%، إلى جانب تقليص الفوارق المجالية إلى أقل من 30%، وتحسين جودة التعليم ليصنف ضمن أفضل 60 نظامًا تعليميًا على الصعيد العالمي.

كما تستهدف هذه الرؤية تحقيق نسب نمو اقتصادي تتراوح، في مرحلة أولى، بين 3 و4 و5 في المائة، قبل الانتقال لاحقًا إلى نسب أعلى في حدود 7 أو 8 في المائة، وهو ما يمثل تحولًا نوعيًا مقارنة مع معدلات النمو التي عرفها المغرب خلال العقود السابقة.

غير أن بلوغ هذه الأهداف يقتضي توفر مجموعة من المحفزات والمسرعات القادرة على الحفاظ على دينامية النمو. وفي هذا الإطار، يبرز تنظيم كأس العالم 2030 كرافعة استراتيجية أساسية، باعتباره ليس مجرد حدث رياضي، بل مسرّعًا حقيقيًا للفعل الاقتصادي، سواء على مستوى الفاعلين الحكوميين أو الترابيين أو الاقتصاديين.

وقبل مونديال 2030، يشكل تنظيم كأس أمم إفريقيا 2025 تمرينًا عمليًا بالغ الأهمية، يتيح الوقوف على مكامن القوة والقصور في تدبير وتنظيم التظاهرات الكبرى، وتصحيح الاختلالات قبل الاستحقاق العالمي. لذلك، فإن تنظيم كأس العالم لا يُعد غاية في حد ذاته، بل وسيلة لتحقيق أهداف تنموية أوسع، تشتغل من خلالها مختلف مؤسسات الدولة في اتجاه موحد.

وينطبق الأمر نفسه على تنظيم كأس أمم إفريقيا، الذي لم يكن اختيارًا عشوائيًا، بل قرارًا استراتيجيًا مدروسًا. ويرى جدري أن نسخة 2025 ستكون من بين أفضل النسخ في تاريخ المسابقة، لاعتبارات موضوعية متعددة، في مقدمتها البنية التحتية الرياضية. ولأول مرة، سيتم توزيع المباريات على تسعة ملاعب في ست مدن، من بينها أربعة ملاعب في مدينة الرباط، إلى جانب ملاعب كبرى في طنجة، فاس، الدار البيضاء، مراكش وأكادير.

ويضاف إلى ذلك توفر ملاعب تدريب حديثة ومعايير تنظيمية نادرة على مستوى القارة الإفريقية، فضلًا عن تطور ملحوظ في البنيات التحتية المرافقة، من طرق سيارة، وموانئ، ومطارات، وفنادق، وبنية سياحية متكاملة، ومطاعم، ومقاهٍ، واعتماد متقدم للرقمنة في الولوج إلى الملاعب، إلى جانب جودة النقل التلفزيوني والمعايير التقنية للملاعب.

كما أن العامل المناخي يشكل نقطة قوة إضافية، إذ يتميز المغرب بمناخ معتدل، بعيد عن درجات الحرارة المرتفعة والرطوبة العالية التي تعرفها عدة دول إفريقية، وهو ما يرجح أن تحتفي الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم بأفضل نسخة لكأس أمم إفريقيا.

اقتصاديًا، أسهم تنظيم كأس إفريقيا في تسريع إنجاز عدد من الأوراش الكبرى التي كان من المرتقب استلامها بعد سنة 2026، ليتم تسريع وتيرتها قصد إنهائها قبل نهاية سنة 2025، كما هو الحال بالنسبة لعدد من الطرق والمرافق الحضرية، وتوسعة مطار الرباط، وأوراش بنيوية أخرى، وهو ما يؤكد الدور التحفيزي لهذا الحدث القاري.

وعلى المستوى السياحي، ستعزز كأس إفريقيا الإشعاع الدولي الذي اكتسبه المغرب منذ مشاركته التاريخية في كأس العالم قطر 2022. وقد تجسد هذا الإشعاع على أرض الواقع، إذ تم تحقيق هدف 17.5 مليون سائح، الذي كان مبرمجًا لسنة 2026، مسبقًا خلال سنة 2024. كما تشير المؤشرات الأولية إلى إمكانية تجاوز 20 مليون سائح مع نهاية السنة الجارية، خاصة مع تزامن الأعياد وتنظيم كأس إفريقيا.

وإذا استمر هذا النسق، فمن غير المستبعد أن يتجاوز المغرب سقف 30 مليون سائح في أفق 2030، وهو ما ينعكس إيجابًا على العائدات من العملة الصعبة، وتشغيل اليد العاملة، وتنشيط قطاعات متعددة مرتبطة بالسياحة، من نقل وإيواء وخدمات وتجهيزات.

كما أن تنظيم كأس إفريقيا سيخلق دينامية تشغيلية مهمة، سواء قبل انطلاق المنافسة عبر أوراش البنية التحتية، أو أثناء الحدث من خلال تنظيم التظاهرات والخدمات، أو بعده عبر استدامة الرواج الاقتصادي في المدن المستضيفة، وهو ما يفسر الطلب المتزايد على اليد العاملة في عدة مجالات.

وإلى جانب ذلك، فإن استقبال جماهير إفريقية ودولية سيمكن الزوار من اكتشاف المؤهلات الطبيعية والثقافية والسياحية للمغرب، ما يجعل الجميع رابحين قبل وأثناء وبعد هذه التظاهرات الكبرى.

أما الربح الاستراتيجي الأكبر، فيكمن في أن تنظيم تظاهرة قارية تضم 24 منتخبًا يُعد بمثابة “مونديال مصغر”، يتيح تراكم خبرة تنظيمية مهمة، ويجنب المغرب الوقوع في أخطاء محتملة خلال تنظيم كأس العالم 2030.

وبناءً على كل هذه المعطيات، يعتقد جدري أن كأس أمم إفريقيا 2025 ستكون أنجح نسخة في تاريخ المسابقة، متمنيا أن تُختتم بتتويج المنتخب الوطني بالكأس، بعد انتظار دام منذ سنة 1976، ليكون ذلك تتويجًا لجيل جديد، ودافعًا إضافيًا لتعزيز دينامية الاحتراف في كرة القدم الوطنية، والانتقال بها من منطق الهواية إلى صناعة حقيقية تخلق الثروة والقيمة المضافة، وتوفر فرص شغل واعدة للشباب المغربي.