اقتصادكم - سعد مفكير
واصلت أسعار الذهب في المغرب في الارتفاع خلال الأسابيع الأخيرة في ظل تقلبات الأسواق العالمية، المتأثرة بعوامل أبرزها جيوسياسية، وتحديات اقتناء المادة الأولية، مما دفع المهنيين بالمملكة إلى مقاطعة شراء المادة الأولية لمدة أسبوع، وذلك احتجاجا على ما وصفته بـ "التلاعب بأسعار الذهب من طرف المضاربين والمحتكرين".
وتتراوح أسعار بيع الغرام الواحد من الذهب بين 750 و900 درهم وقد تصل مستقبلا وفق التوقعات إلى 1000 درهم للغرام، بناء على المنحى التصاعدي لأسعار الذهب عالميا التي يتوقع أن تصل إلى 3 آلاف دولار للأوقية خلال العام المقبل حسب محللي “بنك أوف أمريكا”.
وفي هذا الحوار مع موقع "اقتصادكم"، استعرض إدريس الهزاز رئيس الفيدرالية المغربية للصياغين، التي تضم أكثر من ثلاثين جمعية مهنية لصانعي الحلي والمجوهرات بالمغرب، أبرز أسباب ارتفاع أسعار الذهب والتحديات التي تواجه القطاع بالمغرب:
ما هي أسباب ارتفاع أسعار الذهب في المغرب؟
منذ بداية جائحة كورونا، عرف السوق العالمي ارتفاعا في أسعار الذهب، نظرا لعدد من العوامل الدولية، أبرزها إقدام دول منظمة البريكس ( التجمع الاقتصادي للبرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) بالإضافة إلى أمريكا الجنوبية على إقتناء كميات كبيرة من الذهب لبنوكها المركزية من أجل تقوية عملتها ومحاربة الدولار، وهو ما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار الذهب.
وتجاوزت ثمن الأونصا الواحدة 2000 دولار، مما انعكس سلبا على الاسعار في المغرب حيث نخضع لتقلبات السوق العالمية. بالإضافة إلى ذلك، استحوذ المضاربون وأصحاب رؤوس الأموال على السوق، حيث يقتني هؤلاء الأشخاص غرام واحد من الذهب بـ655 درهم عوض 650 درهم، بمنطق الاحتكار، من أجل فرض ثمن بيع موحد، وبقيت هذه العملية مستمرة إلى أن بلغ ثمن الذهب الخام 760 درهم، وهو أمر غير معقول.
ما هي مصادر المادة الأولية في المغرب؟ وما هي تحديات توفير هذه المادة؟
هناك 4 مصادر للذهب بالمغرب، أولها إعادة استعمال وتذويب الذهب وتصفيته، والمصدر الثاني وهو الاستيراد عن طريق إدارة الجمارك التي فتحت الباب لاستيراد المادة الأولية، لكن المشكل الأساسي يتعلق بالسقف الذي يحدده مكتب الصرف، الذي يفرض علينا دفع ثلث قيمة المستوردات في حدود 18 ألف دولار، وهناك 11 شركة معتمدة من قبل إدارة الجمارك، منها شركات دولية كبرى، هذه الشركات تطلب استخلاص ثمن المستوردات كاملا عوض الثمن المحدد من قبل مكتب الصرف، وبالتالي نجد أنفسنا أمام إشكال قانوني، ومن هذ المنبر ندعو لتغيير مسطرة استيراد الذهب، خاصة أن هذا القطاع يعد استراتيجيا ويشغل آلاف الأشخاص.
المصدر الثالث وهو مناجم الذهب الموجودة في المغرب التي تشغلها شركات كندية وفرنسية ومغربية، إلا أن هذا الذهب أو الفضة التي تستخرج تصدر إلى الخارج، لأنها غير مصفية، وبالتالي نضطر لتصديرها وبيعها في الأسواق العالمية، ونحن كمواطنين مغاربة لا نستفيد من خيرات هذا البلد، لأنه هناك إشكال ضريبي، حيث أن هذه الشركات تبحث عن هوامش ربح كبيرة وتعمل على تفادي رسوم ضريبية كبرى، والدليل أنها تدفع 17.6.% عن الأرباح عندما تبيع الذهب دوليا، مقابل 30% عندي تبيع هذه المادة وطنيا، وبالتالي فإن الحل يكمن في إعادة مراجعة النصوص القانونية المنظمة لهذه العملية الضريبية.
وبالمناسبة ندعو هذه الشركات الضخمة إلى تشييد مصفاة للذهب في المغرب لتفادي كل هذه العملية المعقدة، وهو ما سينعكس إيجابا على أسعار الذهب في السوق الوطني.
المصدر الرابع هو التهريب الذي يزود السوق بـ80% من المادة الأولية ويستحوذ على نصيب الأسد في المعاملات، إلا أن أصحاب التهريب أرادوا أن يرفعوا حصتهم الربحية في الكيلوغرام من الذهب من 50 ألف درهم إلى 170 ألف درهم، وهو ما يؤثر بشكل كبير على الصانع والتاجر والزبون، ولهذا قررنا مقاطعة شراء المادة الخام من أصحاب التهريب إلى أن نجد حلول للاستيراد أو اقتناء المواد الأولية من المناجم المغربية.
كيف يمكن مواجهة التحديات التي يعرفها هذا القطاع ؟
في عهد الحكومة السابقة، كلفت جميلة مصلي كاتبة الدولة المكلفة بالصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي، مكتب خاص قام بدراسة استراتيجية للقطاع لمدة سنتين، مع مختلف الشركاء الحكوميين والمهنيين، وكان الهدف منها أن ندخل في مناخ الأعمال التابع لوزارة التجارة والصناعة، طرحنا فيها جميع المشاكل التي نعاني منها والحلول المعقولة والقابلة للتطبيق، لكن تلك الدراسة بقيت حبيسة المكاتب في الحكومة الحالية، ولم يتم التعامل معها، ولم تقم الحكومة الحالية بأي مجهود في هذا القطاع.
عرفت هذه الدراسة تحليل جميع المشاكل الضريبية والجمركية، فمثلا، نحن في قطاع نعمل بمواد أولية غير رخيصة وذات قيمة عالية، وندفع 0.5% كحد أدنى من المساهمة الضريبية "la cotisation minimale"، وبشكل تراكمي وتسلسلي، بمعنى أن المستورد يدفع 0.5% والصانع كذلك والوسيط وبائع الجملة وتاجر التقسيط، وهو ما يجعل المساهمة تصل إلى 3%، وقد طالبنا في تحديد هذه المساهمة في 0.1% على غرار مستوردي المحروقات، لتخفيض هذه الكلفة.
بالإضافة إلى ذلك، تحدد الحكومة المحاسبة المبسطة "la comptabilité simplifiée" في حدود 2 مليون درهم، وهو ما يمثل 2.5 كلغ من الذهب فقط، وكيف يعقل أن أقوم بالمحاسبة ونحن لا نتوفر على فاتورات اقتناء المادة الأولية من المصدر، كما أن المقاول الذاتي لا يمكنه أن يتعدى 500 ألف درهم وهو ما يمثل حوالي نصف كيلوغرام من الذهب فقط. يجب أن يتم مراجعة القوانين وسن نصوص قانونية وتنظيمية خاصة بالقطاع.
وللإشارة، فمنذ مقاطعة شراء المادة الأولية هذا الأسبوع، انخفض سعر الذهب في السوق بـ 60 درهم، وهو شيء إيجابي.