رجال يحملون على عاتقهم إنجاح مونديال 2030 – الحلقة 2: عبد الوافي لفتيت

ملفات خاصة - 06-06-2025

رجال يحملون على عاتقهم إنجاح مونديال 2030 – الحلقة 2: عبد الوافي لفتيت

اقتصادكم

 

عندما نالت المملكة المغربية، بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال، شرف تنظيم كأس العالم 2030، لم يكن ذلك تتويجاً لمسار رياضي فحسب، بل محطة فاصلة في إعادة رسم صورة المغرب كقوة إقليمية صاعدة في عالم الرياضة، والتنمية، والدبلوماسية.

وراء الكواليس، يقف رجال استثنائيون، ليسوا بالضرورة نجوماً في الملاعب، لكنهم يخوضون معركة لا تقل شراسة، في دواليب القرار، وفي الاجتماعات الماراثونية، وفي تفاصيل لا تُرى على الشاشات. هؤلاء هم من يكتبون فصول حلم مغربي جديد، قوامه الطموح، والتخطيط، والإيمان بإمكانيات الوطن.

في هذه السلسلة، "رجال يحملون على عاتقهم إنجاح مونديال 2030"، نغوص في بورتريهات لشخصيات محورية تقود من الصفوف الأمامية هذه الملحمة التاريخية. نفتح ملفاتهم، نتتبع مساراتهم، نقرأ ملامحهم، ونرصد التحديات الكبرى التي يواجهونها لإنجاح كأس العالم بثلاث قارات وثقافات وطموحات.

بعد فوزي لقجع، عرّاب الكرة المغربية، نسلط الضوء في هذه الحلقة على عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، عقل الدولة التنظيمي.

الحلقة الثانية: عبد الوافي لفتيت.. عقل الدولة التنظيمي ورجل الظل في رحلة المغرب نحو مونديال 2030


بورتريه: لفتيت.. رجل الموانئ الهادئ وصانع التوازنات في صمت الدولة

في الزوايا التي لا تضيئها الكاميرات، حيث تشتغل آلة الدولة بصمت ودقة، يتحرك عبد الوافي لفتيت. رجل تكنوقراطي بملامح هادئة وصوت منخفض، لا يظهر كثيراً، لكنه حاضر بثقل في المفاصل الحيوية للدولة. هو أحد أولئك الذين يصنعون القرارات الكبرى دون ضجيج، ويديرون الملفات الحساسة من الظل، بثقة من يعرف متى يتكلم، ومتى يصمت.

ولد عبد الوافي لفتيت، يوم 29 شتنبر 1967، في قرية تافريست وسط منطقة الريف، وسلك مساراً تعليمياً نخبوياً من بوابة فرنسا. نال دبلوم مدرسة "البوليتكنيك" الشهيرة بباريس سنة 1989، ثم دبلوم المدرسة الوطنية للقناطر والطرق سنة 1991. مساره العلمي كان مؤشراً على ما سيأتي: عقل هندسي، دقيق، لا يميل إلى الارتجال.

عاد إلى المغرب، والتحق بمكتب استغلال الموانئ، حيث بدأ أولى خطواته في القطاع العمومي، ليكون، ما بين 1992 و2002، على رأس مديرية الموانئ على التوالي بكل من أكادير وآسفي وطنجة. كان هناك، حيث تلتقي اليابسة بالبحر، يخطّ ملامح المغرب اللوجستي الجديد.

في سنة 2002، تم تعيينه مديرًا للمركز الجهوي للاستثمار بطنجة تطوان، في لحظة كان فيها الشمال المغربي يشهد تحولاً عميقًا في بنيته الاقتصادية. لم يكن ذلك المنصب سوى تمهيد لما هو أكبر.

في 17 فبراير من سنة 2003، أطلق الملك محمد السادس المشروع الوطني العملاق: ميناء طنجة المتوسط. مشروع استراتيجي، تجاوز في طموحه البعد الاقتصادي ليتحول إلى عنوان لتحول المغرب نحو اقتصاد الانفتاح والربط العالمي. بعد أشهر قليلة، وتحديدًا في 13 شتنبر 2003، تم تعيين لفتيت عاملاً على إقليم الفحص - أنجرة، وهي المنطقة التي تحتضن هذا المشروع الضخم.

في أكتوبر 2006، حمله القرار الملكي إلى الناظور، عاملاً على الإقليم الذي بدأ يشهد بدوره الحديث عن مشروع ميناء "الناظور ويست ميد". هناك أيضاً، وُضع لفتيت في مقدمة أوراش استراتيجية، في منطقة تحتاج إلى تأطير دقيق.

وفي مارس 2010، عاد إلى طنجة، لكن هذه المرة على رأس شركة تهيئة وتطوير منطقة ميناء طنجة المدينة. ترسخت صورته كرجل المرحلة في أوراش الدولة البحرية.

وفي سنة 2014، تم تعيينه والياً على جهة الرباط – سلا – القنيطرة، وعاملاً على الرباط. في العاصمة، مركز القرار الإداري والسياسي، بات لفتيت في قلب الدولة. كان ذلك بمثابة تتويج للمسار الإداري، وإشارة واضحة إلى أنه دخل "الصف الأول" للمسؤولين الاستراتيجيين في البلاد.

في سنة 2017، تم تعيينه وزيرًا للداخلية في حكومة سعد الدين العثماني، ثم جُدد له المنصب في حكومة عزيز أخنوش. وهو منصب لا يُمنح إلا لمن يُثق في انضباطه وقدرته على ضبط التوازنات.

عبد الوافي لفتيت، ومنذ توليه الداخلية، يُدير ملفات معقدة: تدبير ورش الجهوية المتقدمة، الإشراف على الانتخابات، ضبط العلاقات المركزية–الترابية، التحديات الأمنية واللوجستية اليومية ... وهو أول وزير داخلية يحتفظ بمنصبه لولايتين في عهد الملك محمد السادس.

يُعرف عن لفتيت صرامته وحنكته السياسية، إلى جانب مهاراته العالية في التنسيق بين مختلف الأجهزة الأمنية والمدنية، مما جعله أحد الأعمدة التي يستند عليها المغرب في استقراره السياسي والأمني.

مسار مهني حافل بالإنجازات والتحديات

رغم كل هذا الحضور الوازن، يظل لفتيت وفياً لطبيعته: قليل الظهور، يفضل خلفيات الاجتماعات على ميكروفونات المنصات، لا يتصدر المشهد، لكنه موجود دائماً حين تكون الملفات ساخنة.

يوصف في دوائر القرار بـ"رجل الدولة بامتياز"، القادر على كسب ثقة مختلف الأطراف، وعلى ضمان الاستمرارية في مؤسسات لا تقبل الفراغ. وإذا كان المغرب قد اختار أن يجعل من تنظيم كأس العالم 2030 واجهة دولية جديدة لطموحاته، فإن من يقفون وراء هذا الطموح هم في فوهة البركان، تواجههم تحديات من كل الجهات.

خلال فترة توليه وزارة الداخلية، قاد عبد الوافي لفتيت عدة مبادرات هامة لضمان وتعزيز الحكامة المحلية، منها تحديث الأجهزة الأمنية وتدبير أزمات الماء والتعليم والصحة والفلاحة والنقل والهجرة وتعزيز الحوار الاجتماعي ومواجهة الإرهاب والتطرف وتتبع مشاريع البنية التحتية وكاس العالم 2030 بالإضافة إلى تنظيم الانتخابات.

المسؤوليات الملقاة على عاتق لفتيت

 يتولى لفتيت مسؤوليات متعددة تشمل:

تنسيق وتنفيذ المشاريع: الإشراف على تنفيذ مشاريع البنية التحتية المرتبطة بالمونديال، مثل الملاعب، مراكز التدريب، ومرافق الإقامة، بما يتوافق مع معايير الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا).

متابعة تقدم الأشغال: تنظيم اجتماعات دورية مع مختلف المتدخلين المحليين والجهويين لتقييم تقدم الأشغال وضمان الالتزام بالآجال المحددة.

تعبئة الموارد: تأمين الموارد المالية والبشرية اللازمة لإنجاز المشاريع، وتسهيل التنسيق بين مختلف الوزارات والهيئات المعنية.

الامتثال للمعايير الدولية: ضمان أن جميع المشاريع تلتزم بالمعايير البيئية، الأمنية، والتنموية التي يحددها الفيفا.

التحديات المعقدة في طريق مونديال 2030

يواجه لفتيت مجموعة من التحديات المعقدة في سياق التحضيرات لاستضافة كأس العالم 2030، التي ستُنظَّم بشكل مشترك بين المغرب وإسبانيا والبرتغال. وفي ظل الطابع غير المسبوق لهذا التنظيم الثلاثي، تنعكس هذه التحديات على مستويات متعددة، تتطلب تنسيقًا عاليًا بين الداخل والخارج:

1. البنية التحتية الأمنية
تأمين الملاعب والمناطق المحيطة بها من أي تهديدات محتملة، خاصة في ظل طبيعة الحدث العالمية.
تعزيز الأنظمة الاستخباراتية والتنسيق الأمني مع نظيريه في إسبانيا والبرتغال.
التعامل مع الجرائم الإلكترونية والتهديدات الرقمية خلال البطولة.

2. تنسيق ثلاثي غير مسبوق
تنظيم كأس عالم بين ثلاث دول يتطلب تنسيقًا حكوميًا وأمنيًا عالي الدقة.
ضمان انسجام السياسات الأمنية والجوازات ونقاط العبور بين الدول الثلاث.
العمل على إنشاء خريطة تنقل آمنة للمشجعين والفرق والإعلاميين، مع الحفاظ على السيادة الوطنية.

3. الاستعداد اللوجستي 
تطوير وتوسعة البنية التحتية للطرق والمطارات والسكك الحديدية لضمان التنقل السلس.
تعزيز قدرات المدن المغربية التي ستحتضن المباريات، سواء على مستوى الخدمات أو الاستجابة الطارئة.

4. تمويل المشاريع الكبرى
الإشراف على تنفيذ مشاريع ضخمة بتكلفة عالية، وضمان عدم وجود اختلالات في الصفقات أو الفساد.
متابعة دقيقة لسير الأشغال داخل الآجال المحددة، خاصة في الملاعب، والبنية الفندقية، ووسائل النقل.

5. الهجرة 
ضبط الحدود ومراقبة تدفقات الهجرة غير النظامية خلال البطولة، في ظل احتمالية استغلال الحدث للعبور نحو أوروبا.
تأمين مسارات خاصة للمشجعين والسياح دون الإخلال بالأمن القومي.