كيف يغير التكوين الأوروبي مستقبل اللاعب المغربي اقتصاديا؟

ملفات خاصة - 10-12-2025

كيف يغير التكوين الأوروبي مستقبل اللاعب المغربي اقتصاديا؟

اقتصادكم - أسامة الداودي


يشهد ملف المواهب المغربية في الدياسبورا الأوروبية اهتماما متزايدا، مع بروز جيل شاب يتكون داخل أفضل الأكاديميات العالمية. 

ورغم هذا المخزون الاستراتيجي، ما تزال القيمة الاقتصادية لهذه الطاقات غير مستثمرة بالشكل الذي يليق بإمكاناتها.

وبين التحولات التي يعرفها سوق كرة القدم وتوسع الحديث عن دور الدياسبورا، يبرز سؤال جوهري: كيف يمكن للمغرب تحويل هذه المواهب إلى رافعة اقتصادية ورياضية.

وفي حوار خص به موقع "اقتصادكم"، كشف زكي مانشيت، الرئيس المؤسس لجمعية المواهب المغربية الشابة بالخارج (JTMI)، أن المواهب المغربية في الدياسبورا تمثل “رصيدا اقتصاديا واستراتيجيا ضخما غير مستغل”، إذ تتكون في أفضل الأكاديميات الأوروبية دون كلفة على المغرب، وتتميز بمستوى تنافسي عالٍ وقدرة سريعة على الاندماج الاحترافي. 

كما أبرز مانشيت أن إدماجها المنظم يمكن أن يحوّلها إلى محرك اقتصادي، رياضي ودبلوماسي للمغرب، عبر رفع قيمة البطولات، تعزيز تنافسية المنتخبات، وجلب عوائد مالية كبيرة من الانتقالات والرعاية.


وفي ما يلي نص الحوار كاملاً:

كيف تقيمون اليوم القيمة الاقتصادية الحقيقية للمواهب المغربية داخل الدياسبورا الأوروبية؟

إن القيمة الاقتصادية للمواهب المغربية المنحدرة من الدياسبورا الأوروبية باتت اليوم كبيرة ولا تزال غير مستغلة بالشكل الكافي. 

فكل عام، ينضم مئات الشباب من أصول مغربية إلى مراكز تكوين مرموقة في فرنسا وإسبانيا وبلجيكا وإيطاليا وألمانيا وهولندا، حيث يستفيدون من خبرة تقنية ومنهجية عالية جدًا، تضاهي معايير أفضل الأكاديميات الأوروبية.

ويمثل هذا الرصيد البشري أصلا استراتيجيًا مهما لكرة القدم المغربية، خاصة وأن دول الإقامة تتحمّل تكاليف التكوين، ما يشكّل اقتصادا ماليا كبيرا بالنسبة للبنى المغربية، ويتيح للمغرب الاستفادة من مسار تكويني متقدّم دون تحمل أعبائه.

ويعكس المستوى التنافسي المرتفع المتعود على المعايير الأوروبية الصارمة قدرة هؤلاء اللاعبين على الاندماج السريع في كرة القدم الاحترافية بما يوفر آفاقًا للتنقلات والعائد الرياضي والمالي، إضافة إلى الإمكانات المرتبطة بالصورة والانتشار الدولي بحكم ازدواجية الجنسية والمتابعة الواسعة للجاليات.

ويجب تقييم قيمتهم الاقتصادية اليوم ليس فقط وفقًا للأداء الرياضي، بل أيضا بناء على العائد الاستثماري الممكن للمغرب: الجاذبية، الحضور الدولي، العوائد من الانتقالات، الرعاية، الشراكات الدولية، وانخراط الدياسبورا، وغيرها.

هل يمكن أن تصبح هذه المواهب محركا اقتصاديا لكرة القدم المغربية؟

نعم، شرط أن يتم انتدابها ومواكبتها بشكل منظم، وهو ما يشكّل المهمة الأساسية لجمعية JTMI – Jeunes Talents Marocains à l’International.

ويمكن أن تتحول إمكانات هؤلاء الشباب إلى محرك اقتصادي للمغرب من خلال عدة روافع، أولها إنشاء مسار دولي مُنظم وفق رؤية JTMI، يقوم على تحديد المواهب في الدول الأوروبية وتقييمها تقنيًا وذهنيًا وبدنيًا ضمن متابعة فردية مستمرة.

ويشمل هذا المسار الربط الاستراتيجي مع الأندية المغربية والمنتخبات الوطنية، إضافة إلى المواكبة العائلية والإدارية، بما يحول الدياسبورا إلى قطاع اقتصادي ورياضي واضح، على غرار النماذج المعتمدة في الجزائر وتركيا والسنغال.

أما الرافعة الثانية فتتعلق بتثمين اللاعبين ذوي الإمكانات العالية، إذ تستفيد الأندية المغربية من لاعبين مكوّنين مسبقا بكلفة أقل، ويرفع هؤلاء اللاعبون قيمة البطولات المحلية، بينما تدرّ انتقالاتهم المقبلة عائدات مالية مهمة.

وتسهم هذه العملية كذلك في تعزيز تنافسية المنتخبات الوطنية، بحيث يمكن للاعب الواحد أن يمثل قيمة اقتصادية بملايين الدراهم خلال ثلاث إلى خمس سنوات، ما يعكس أهمية إدماج هذه المواهب بشكل مُنظّم.

وتبرز الرافعة الثالثة في تعزيز جاذبية كرة القدم المغربية، إذ يساهم إدماج المواهب المكوّنة في أوروبا في رفع مستوى المنافسة الوطنية وجذب الرعاة ورفع قيمة حقوق البث، إضافة إلى تحسين صورة المغرب دوليًا.

كما يؤدي هذا التوجه إلى تعزيز العلاقات مع الأندية الأوروبية ودعم الدبلوماسية الرياضية المغربية، بما يجعل الاستفادة من الدياسبورا عنصرًا حاسمًا في تطوير المنظومة الكروية الوطنية.


لماذا تُعد الهيكلة التي تقترحها جمعية JTMI حاسمة؟


في غياب إطار منظم، تضيع نسبة كبيرة من هذه المواهب داخل الشبكات الأوروبية، أو لا يتم رصدها من طرف الأندية المغربية، أو تصل متأخرة بما يحدّ من جدوى إدماجها داخل المنظومة الرياضية الوطنية.

وتقترح JTMI مقاربة مهنية ودولية جديدة منسجمة مع الرؤية الملكية والاستراتيجية المغربية 2030، تقوم على رسم خريطة أوروبية للمواهب ذات الأصول المغربية وتنظيم معسكرات وانتقاءات وعروض ثنائية مثل باريس–الدار البيضاء ومدريد–طنجة.

وترتكز هذه المقاربة على إنشاء جسر دائم يربط بين الدياسبورا والمغرب، مع مأسسة المسار عبر شبكة خبراء دوليين، وبناء شراكات مع الأندية والاتحادات بهدف تأطير عملية المواكبة والتوجيه الرياضي.

وتُعد الدياسبورا المغربية أحد أكبر خزانات المواهب في أوروبا، وقيمتها الاقتصادية هائلة، لكنها لا تتحقق إلا إذا جرى اكتشاف هذه الطاقات ومرافقتها ودمجها داخل منظومة مُهيكلة، وهو ما تعمل عليه JTMI لتحويل هذا الرصيد إلى قوة اقتصادية ورياضية ودبلوماسية للمغرب.

إلى أي مدى تعزز الاحترافية المبكرة للاعبين المغاربة في دوريات مثل "الليغ 1" و"الليغ 2" قيمتهم السوقية؟ وكيف ينعكس ذلك اقتصاديًا على الأندية المغربية؟

تُعد الاحترافية المبكرة عاملا أساسيا في رفع القيمة السوقية للاعب المغربي المكون أوروبيا، إذ يؤدي توقيع العقد الاحترافي في سن مبكرة، خصوصًا في فرنسا، إلى ارتفاع فوري في قيمته بسبب المكانة التي تمنحها “علامة التكوين الأوروبي” وضمانها لمستوى عالٍ من الجودة.

ويستفيد اللاعب داخل هذا النظام من تدريب يومي عالي المستوى وطاقم محترف وبنية تحتية حديثة ومنافسة قوية، ما يعزز قيمته تلقائيًا في سن 17–18 عامًا. 

كما يجعل العقد الاحترافي اللاعب أصلا قابلا للتسويق، مدرجا في قواعد البيانات الدولية، وترتفع قيمته مع كل دقيقة لعب.

وقد تتراوح قيمة اللاعب بين 500 ألف و5 ملايين يورو، فيما تمنحه البطولات الأوروبية تعرضا إعلاميا وتجاريا واسعًا، يفتح أمامه فرصا أكبر للوكلاء، ويزيد الاهتمام به تجاريًا، مع متابعة مستمرة من المنتخبات المغربية.

تنعكس الدينامية المرتبطة بالاحتراف المبكر للمواهب المغربية على الأندية الوطنية عبر ثلاثة آليات رئيسية، أولها آلية الانتقالات، إذ يمكن للنادي المغربي اقتناص جزء من القيمة إذا لعب اللاعب فترة وجيزة في المغرب قبل عودته إلى أوروبا، مستفيدًا من رسوم الانتقال ونسبة إعادة البيع والمكافآت والعائد التسويقي.

الآلية الثانية تتمثل في انخفاض تكاليف التكوين وارتفاع العائد، لأن اللاعب يصل مُكونًا بالكامل، مما يجعل التكلفة شبه صفرية على النادي المغربي مقارنة بالعائد الرياضي والمالي المتوقع، وهو ما يمنح هذه الصفقات جاذبية كبيرة داخل السوق المحلية.

أما الآلية الثالثة فتتعلق ببرنامج التضامن من “الفيفا”، حيث يُعاد توزيع 5% من قيمة أي انتقال دولي على الأندية التي شاركت في تكوين اللاعب بين 12 و23 سنة. 

فمثلًا، انتقال بقيمة 10 ملايين يورو يوفر 500 ألف يورو كإجمالي تضامن، ويمكن للنادي المغربي الحصول على 75 إلى 100 ألف يورو إذا ساهم بنسبة 15% في التكوين المتأخر، دون أي تكلفة أولية.

ويلعب JTMI دورا جوهريًا في خلق منظومة رابحة للمغرب، من خلال الرصد المبكر للمواهب وربطها بالأندية المغربية وتنظيم الاختبارات الاحترافية، إضافة إلى تمكين الأندية من الاستفادة من آليات الفيفا والعوائد المالية المرتبطة بها ضمن إطار مُنظّم.

وهكذا، فإن الاحتراف المبكر للمواهب المغربية في أوروبا يرفع قيمتهم بشكل كبير، وعند إدماجهم عبر إطار مؤسسي مثل JTMI، يتحولون إلى مصدر مالي مهم ومستدام للأندية المغربية.

ما هي الفروق الاقتصادية بين نموذج التكوين الفرنسي والمغربي؟ وكيف تؤثر على فرص احتراف اللاعبين؟

تبرز الفوارق الاقتصادية بين النموذجين الفرنسي والمغربي بشكل واضح على مستوى البنيات التحتية، إذ تستفيد فرنسا من منشآت حديثة ومراكز تكوين بميزانيات تتراوح بين 6 و15 مليون يورو سنويًا، مقابل ميزانيات محدودة في المغرب تتراوح بين 300 ألف ومليون يورو رغم التحسن المستمر بفضل الرؤية الملكية، وهو ما يجعل فرنسا قادرة على إنتاج مواهب جاهزة بدنيًا وذهنيًا.

وتتعمق هذه الفوارق على مستوى الموارد البشرية، حيث تمتلك فرنسا مدربين بدرجات عالية وطاقمًا متعدد التخصصات، بينما يشهد المغرب تحسينا تدريجيًا رغم استمرار النقص في الخبرات المتخصصة، مما يجعل جودة التأطير مختلفة بين البلدين.

أما على مستوى إدارة المواهب، فتقوم فرنسا على منهجية صناعية واضحة تمتد من الكشف إلى الاحتراف، في حين يعتمد المغرب على كشف محدود وغياب التتبع الفردي، وهو ما يجعل اللاعب المكوَّن في فرنسا أقرب للاحتراف بنحو 5 إلى 7 مرات مقارنة بالمكون محليًا.

وينعكس هذا التفاوت مباشرة على فرص الاحتراف، إذ يصل اللاعب المكون في فرنسا بسرعة أكبر إلى الأندية الاحترافية، بينما يواجه اللاعب في المغرب نقصًا في البيانات والرؤية والانفتاح على السوق الأوروبية، مما يحد من فرص تطوره.

وفي هذا السياق، يلعب الدور الإستراتيجي لجمعية JTMI أهمية كبرى، إذ تعمل على ربط النموذجين المغربي والأوروبي، وتعزيز إدماج المواهب المكوَّنة في أوروبا داخل المنظومة الوطنية، بما يرفع فرص الاحتراف ويقوي القيمة الاقتصادية للاعب المغربي.


ما الاستراتيجية الأنسب لربط المواهب المغربية الصاعدة في أوروبا بالمغرب؟ وهل يمكن لشبكة رسمية تجمع FRMF والدياسبورا أن تشكّل آلية دائمة؟


ترتكز الإستراتيجية التشغيلية المتكاملة على بناء مسار واضح يربط بين أوروبا والمغرب، يشمل الكشف المبكر للمواهب، ثم التقييم المهني والمتابعة الشاملة، وصولًا إلى إدماج تدريجي داخل الأندية والمنتخبات، بما يضمن انتقالًا منظمًا وفعّالًا للمواهب.

وتتجسد هذه الإستراتيجية كذلك في تنظيم “عروض ثنائية” بين مدن أوروبية ومغربية، وفق نموذج JTMI، مثل باريس–الدار البيضاء ومدريد–طنجة وروما–بني ملال، بما يوفر منصات مباشرة لاكتشاف اللاعبين ودمجهم في محيطهم الرياضي الوطني.

ويواكب ذلك اعتماد نظام متابعة فردي عالي المهنية يشمل البيانات والتقارير التقنية والتواصل المستمر مع العائلات والأندية، لضمان تكوين شامل ومتابعة دقيقة لمسار كل لاعب على حدة.

كما تمثل الشبكة الرسمية بين الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم والدياسبورا آلية ضرورية ودائمة، إذ تحدث قناة كشف موثوقة، وتُسهم في مأسسة الانتدابات وتعزيز الثقة والانتماء، مع رفع مستوى المنتخبات عبر استقطاب مواهب مكوّنة بأعلى المعايير الأوروبية.

وفي هذا الإطار، تؤدي جمعية JTMI دورا مركزيا بوصفها حلقة الوصل المثالية، اعتمادا على حضورها الميداني في أوروبا، وخبرتها في المواكبة، وشبكاتها الواسعة، وأدوات التتبع التي تتيح إدماجًا فعّالًا للمواهب داخل المنظومة المغربية.