اقتصادكم - حنان الزيتوني
من المتوقع أن يحدث مشروع أنبوب الغاز نيجيريا–المغرب تحولات استراتيجية عميقة في خريطة أمن الطاقة بكل من المنطقة المغاربية وغرب إفريقيا، خصوصا في ظل التغيرات الجيوسياسية المتسارعة واعتماد أوروبا المتزايد على مصادر بديلة للغاز الطبيعي.
ومع تراجع واردات الغاز الروسي، تبحث أوروبا عن شركاء موثوقين لتأمين حاجياتها الطاقية على المدى المتوسط والطويل، وهو ما يضع هذا المشروع الطموح في قلب رهانات الطاقة العالمية، باعتباره جسرا حيويا يربط الموارد الإفريقية بالطلب الأوروبي، ورافعة تنموية للدول التي سيمر منها.
تراجع الاعتماد
وتشير البيانات الأوروبية إلى أن دول الاتحاد كانت، قبل اندلاع الأزمة الأوكرانية، تعتمد بنسبة 40% على الغاز الروسي، أي ما يعادل قرابة 155 مليار متر مكعب سنويا. غير أن العقوبات والرهانات الجيوسياسية دفعت أوروبا إلى البحث عن بدائل موثوقة ومستقرة، وهو ما يفسر اهتمامها المتزايد بالمصادر الإفريقية.
وفي هذا السياق، يعتبر مشروع أنبوب الغاز نيجيريا–المغرب خيارا استراتيجيا، حسب ما أكده عبد الصمد ملاوي، أستاذ باحث بجامعة بني ملال وخبير دولي في تكنولوجيا الطاقة، والذي يرى أن أوروبا "يمكن أن ترى في المغرب، أو على الأقل في هذا المشروع الذي يربطها مباشرة بنيجيريا، البديل الحقيقي وركيزة استراتيجية للغاز الإفريقي".
منفذ استراتيجي
ويرى ملاوي في تصريح لموقع "اقتصادكم"، أن هذا المشروع قادر على تزويد الاقتصاديات الأوروبية بما بين 20 إلى 25 مليار متر مكعب سنويا من الغاز، ما يمثل نسبة مهمة من حاجيات السوق الأوروبية، ويجعل من خط أنابيب نيجيريا–المغرب "قطبا استراتيجيا" في سوق الطاقة العالمية، خاصة في ظل الرغبة الأوروبية في تقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري الأكثر تلويثا.
وفي المقابل وفق الخبير، لا يقل الطلب على الغاز في غرب إفريقيا أهمية عن نظيره الأوروبي، إذ يقدر حاليا بنحو 60 مليار متر مكعب سنويا، مع توقعات بنمو يتراوح بين 8 إلى 10% سنويا، حسب دراسات صادرة عن مراكز بحثية متخصصة في الطاقة.
وأشار ملاوي إلى أن "المشروع لا يخدم فقط مصالح أوروبا، بل يعزز الخطط الطاقية لدول غرب إفريقيا أيضا، ويساهم في الرفع من قدراتها على تأمين حاجياتها الطاقية وتنويع مصادرها".
رهان مغربي
المغرب بدوره يسعى إلى الرفع من استهلاكه من الغاز الطبيعي بنسبة تصل إلى 50% بحلول سنة 2030، وذلك في إطار خطط استثمارية ضخمة تبلغ قيمتها نحو 2 مليار دولار، موجهة لتطوير البنية التحتية المتعلقة بالغاز، من موانئ ومنصات تخزين ومراكز توزيع.
وأكد ملاوي أن المشروع "سيساهم في تسريع هذه الدينامية، وتعزيز قدرة المغرب على أن يصبح مركزا إقليميا للطاقة، مستفيدا من موقعه الجيوستراتيجي ومن تنوع شراكاته الإقليمية والدولية".
تنمية متكاملة
وقد أثار الخبير في تصريحه إحدى النقاط المهمة والتي تتعلق بطول الأنبوب الذي سيتراوح بين 4000 و5600 كيلومتر، وهو ما يتطلب استثمارات ضخمة وتخطيطا دقيقا، لكنه أيضا سيفضي إلى تطوير كبير للبنية التحتية في الدول التي سيمر منها المشروع.
ويضيف ملاوي: "هذه الاستثمارات لن تكون فقط في قطاع الطاقة، بل ستؤدي إلى تحسين مؤشرات التنمية البشرية في الدول المعنية، من خلال توفير فرص شغل، وتأهيل قطاعات النقل والتوزيع، وبالتالي الرفع من القدرة التنافسية لهذه البلدان".