اقتصادكم
تساهم الجالية المغربية المقيمة بالخارج في تعزيز التنمية الشاملة بجميع أبعادها، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والرياضية، وتمثل قوة اقتصادية مهمة عبر تحويلاتها المالية واستثماراتها.
وتعد الجالية المغربية المقيمة بالخارج امتدادا طبيعيا للمجتمع المغربي، حيث يبلغ عدد المغاربة المقيمين بالخارج المسجلين لدى شبكة قنصليات المملكة حوالي 5.1 مليون، وتتميز بتركيبة ديموغرافية شابة تعكس حيوية ودينامية هذه الفئة، إذ يشكل الشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و39 سنة، حوالي 60% من مغاربة العالم، بينما تقل نسبة الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 60 سنة عن 4% هذا التركيب السكاني يجعل الجالية المغربية قوة فاعلة قادرة على الإسهام في مختلف مجالات التنمية الوطنية وتعزيز الحضور المغربي على الساحة الدولية.
وفي ورقة تحليلية أعدها "مرصد العمل الحكومي" بشراكة مع "مركز الحياة لتنمية المجتمع المدني"، تحت عنوان "الجالية المغربية بالخارج: ركيزة وطنية لتعزيز التنمية المستدامة ورابط حضاري بين المغرب والعالم"، تتجلى أهمية الجالية المغربية في دعم مختلف المجالات، بدءا من الاقتصاد الذي تستفيد منه المملكة عبر تحويلات مالية ضخمة واستثمارات مباشرة، مرورا بالمجال الاجتماعي حيث تساهم في تحسين ظروف العيش للأسر المغربية عبر الدعم المالي والمبادرات الخيرية، وصولا إلى المجال السياسي من خلال الدفاع عن القضايا الوطنية وتعزيز صورة المغرب دوليا.
تحويلات مالية ضخمة
تعد التحويلات المالية للجالية المغربية المقيمة بالخارج أحد الدعائم الأساسية للاقتصاد الوطني، حيث تلعب دورا حيويا في تعزيز التوازن المالي للمملكة وتوفير مصدر رئيسي للعملة الصعبة، وقد شهدت هذه التحويلات تطورا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، إذ ارتفعت من 60 مليار درهم في عام 2019 إلى 115.3 مليار درهم في عام 2023، مع توقعات ببلوغها 120 مليار درهم في عام 2024.
هذا النمو يعكس قوة الروابط التي تجمع المغاربة بالخارج بوطنهم، ويؤكد التزامهم بالمساهمة في استقرار الاقتصاد الوطني، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية العالمية التي أثرت على تدفق التحويلات في العديد من البلدان الأخرى، وتساهم هذه التحويلات بما يزيد عن 7% من الناتج الداخلي الخام، مما يجعلها عنصرا محوريا في تعزيز القدرة المالية للمملكة ودعم احتياطاتها من العملة الأجنبية، واستقرار الدرهم المغربي، ودعم التوازنات الماكرو اقتصادية، وخفض عجز الميزان التجاري.
الاستثمارات المباشرة
رغم الارتفاع الملحوظ في قيمة تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، إلا أن توزيع هذه التحويلات واستغلالها يعاني من اختلالات كبيرة فيما يتعلق بخلق القيمة المضافة وتعزيز الاستثمار، فحسب المعطيات الرسمية، لا تتجاوز نسبة الأموال المخصصة للاستثمار 10% من مجموع هذه التحويلات، بينما يخصص 60% لدعم الأسر، و30% على شكل ادخار.
وبالمقارنة مع دول إفريقية تشهد زخما مشابها في الهجرة مثل نيجيريا وكينيا، تبدو النسبة المخصصة للاستثمار في المغرب أقل بكثير، ففي نيجيريا توجه 45% من تحويلات مواطنيها المقيمين بالخارج للاستثمار، بينما تصل النسبة إلى 35% في كينيا، حيث يظهر هذا التفاوت حاجة المغرب إلى تطوير آليات مبتكرة لتحفيز استثمار التحويلات المالية في قطاعات منتجة تسهم في خلق فرص العمل وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام.
المساهمة في موارد البنوك المغربية
تشكّل تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج أحد المصادر الأساسية للموارد المالية في النظام البنكي المغربي، حيث تمثل حوالي 20% من الموارد التي تجمعها البنوك، حيث تعكس هذه النسبة الكبيرة اعتماد القطاع البنكي على التدفقات المالية من الخارج، التي توفر سيولة مهمة تستخدم في تمويل المشاريع الاقتصادية وتلبية احتياجات الأسر والمقاولات ، كما تساهم هذه التحويلات في تعزيز استقرار النظام المالي، وزيادة قدرة البنوك على تقديم القروض والخدمات المالية، مما يدعم الدينامية الاقتصادية للمملكة، ما يجعل من الدور الاستراتيجي لتحويلات الجالية المغربية بالخارج عاملا محوريا في استدامة القطاع البنكي وتعزيز دوره في التنمية الوطنية.
دعم السياحة
تعتبر الجالية المغربية المقيمة بالخارج من بين الفاعلين الرئيسيين في دعم القطاع السياحي بالمغرب، حيث يساهم أفرادها بشكل كبير في تنشيط السياحة الداخلية خلال فترة عودتهم إلى الوطن، سيما في إطار عملية "مرحبا"، حيث بلغ عدد المغاربة المقيمين بالخارج الذين دخلوا إلى المغرب خلال الفترة من 5 يونيو إلى 15 شتنبر 2024 حوالي 3.76 مليون شخص، مما يعكس حجم الزخم السياحي الذي يساهمون في خلقه.
تساهم هذه الزيارات في إعطاء دفعة قوية للقطاع السياحي، إذ يستفيد منها بشكل مباشر الفنادق والمطاعم وقطاع النقل، بالإضافة إلى الأسواق التقليدية التي تشهد انتعاشا ملحوظا خلال فترة الإجازات، ما ينعكس بقوة على إيرادات المغرب من القطاع السياحي، كما تساهم هذه العودة في تعزيز الإشعاع الثقافي والسياحي للمملكة، حيث يحرص العديد من أفراد الجالية على اصطحاب أصدقائهم أو أفراد عائلاتهم من دول الإقامة لاستكشاف جمال المغرب ومعالمه السياحية المتنوعة.
إلى جانب ذلك، تعتبر تحويلات الجالية المغربية واستثماراتها في قطاعي العقارات والسياحة رافدا إضافيا لدعم الاقتصاد السياحي، مما يعزز مكانة المغرب كوجهة جذابة للمغاربة المقيمين بالخارج وللزوار الأجانب، ما يجعل الجالية المغربية شريكا استراتيجيا في تعزيز استدامة القطاع السياحي وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
دعم الوحدة الترابية للمملكة
تعد الجالية المغربية المقيمة بالخارج قوة فعالة في الدفاع عن الوحدة الترابية وقضية الصحراء المغربية، إذ تلعب دورا محوريا في تعزيز الموقف الوطني على الساحة الدولية، والتصدي للأطروحات الانفصالية التي تستهدف المس بمصالح المغرب، حيث تساهم بفضل انتشارها في أكثر من 100 دولة من مختلف أنحاء العالم، بشكل مستمر في توضيح الحقائق التاريخية والقانونية المتعلقة بالقضية الوطنية، مستندة إلى وعي عميق بعدالة الموقف المغربي واستراتيجية متكاملة تجمع بين العمل الفردي والجماعي.
تقوم الجالية المغربية بجهود جبارة للتصدي للأطروحات الانفصالية، من خلال تنظيم ندوات ومؤتمرات دولية، تبرز الجالية مشروعية قضية الصحراء المغربية وتعزز الموقف المغربي عبر الاعتماد على أدلة تاريخية وقانونية دامغة، كما أن انخراط المغاربة المقيمين بالخارج في وسائل الإعلام والتواصل مع الرأي العام في دول الإقامة يسهم في تصحيح المغالطات ونقل الرواية المغربية التي تدافع عن مقترح الحكم الذاتي كحل واقعي ومنصف للنزاع.
وتبرز أهمية الجمعيات المغربية بالخارج، التي يصل عددها إلى الآلاف، في لعب دور محوري كأداة تنظيمية توحد جهود المغاربة في المهجر، تساهم في تعزيز الهوية الوطنية وترسيخ الشعور بالانتماء، ما يجعل أفراد الجالية أكثر حماسا للدفاع عن قضايا الوطن، إضافة إلى ذلك، تعمل الجمعيات على تنظيم حملات دولية للتعريف بعدالة قضية الصحراء المغربية، من خلال تقديم مذكرات وبيانات رسمية للمؤسسات الدولية والمشاركة في الفعاليات الأممية، فضلا عن خلق شراكات استراتيجية مع منظمات أجنبية داعمة للمغرب.
الكفاءات والأطر
تزخر الجالية المغربية المقيمة بالخارج بكفاءات وأطر عالية التأهيل في مختلف المجالات، والتي اختار عدد من أبنائها العودة إلى المغرب للمساهمة في مساره التنموي، حيث أثبتوا قدرتهم على تقديم قيمة مضافة كبيرة، سواء من خلال الاستثمار في قطاعات حيوية، أو عبر شغل مناصب مسؤولية في مجالات تقنية وإدارية استراتيجية.
فأبناء الجالية يساهمون اليوم في تعزيز القدرات الوطنية عبر استثمار خبراتهم ومعارفهم المكتسبة في الخارج في قطاعات اقتصادية هامة مثل الصناعة، التكنولوجيا، الفلاحة، والسياحة، هذا بالإضافة تمكن العديد منهم من الولوج إلى مناصب المسؤولية العليا، حيث أصبحوا برلمانيين، وزراء، ومديرين عامين في مؤسسات وطنية وإدارات استراتيجية.
يتوفر المغرب على خزان كبير من الكفاءات بين صفوف أبناء الجالية المغربية المقيمة بالخارج، مما يشكل ثروة بشرية هائلة يمكن استثمارها لدفع عجلة التنمية الوطنية، حيث تضم هذه الكفاءات نخبة من العلماء، المهندسين، التقنيين، وأصحاب الاختصاصات المعقدة في مجالات استراتيجية مثل الطب، الذكاء الاصطناعي، الطاقة المتجددة، والهندسة الصناعية، وهو ما يجعلها مؤهلة للمساهمة بفعالية في سد الفجوات التقنية وتطوير القطاعات الحيوية التي يحتاجها المغرب.
دعم الرياضة المغربية
تلعب الجالية المغربية المقيمة بالخارج دورًا محوريًا في تطوير المجال الرياضي بالمغرب، حيث ساهمت بشكل ملحوظ في تعزيز حضور المغرب على الساحة الرياضية العالمية عبر أكثر من 15 صنف رياضي، من كرة القدم إلى التنس، ومن الملاكمة إلى الكيك-بوكسينغ والسباحة والجودو والرياضات الجليدية وغيرها من الأصناف الرياضة الأخرى، أثبت أبناء الجالية المغربية تفوقهم الرياضي ونجاحهم في تمثيل وطنهم الأم بأفضل صورة.
في مجال كرة القدم، يعد أبناء الجالية الركيزة الأساسية للمنتخبات الوطنية في مختلف الفئات السنية، من الناشئين إلى الفريق الأول، حيث أثبتت الأسماء القادمة من بلدان المهجر، خصوصا من أوروبا، أنها مزود رئيسي بالمواهب التي رفعت من مستوى الأداء الكروي المغربي على الساحة الدولية، العديد من اللاعبين المغاربة المحترفين في أبرز الأندية الأوروبية اختاروا تمثيل المنتخب الوطني، مما أدى إلى تعزيز مكانة المغرب كقوة كروية في إفريقيا والعالم، ولعل النتائج المبهرة للمنتخب المغربي في مونديال قطر و احتلاله المرتبة الرابعة عالميا لخير دليل على مساهمة أبناء الجالية في هذا الإنجاز الرياضي الغير مسبوق عربيا و افريقيا.
لا يقتصر تأثير أبناء الجالية على مشاركتهم في المنتخبات الوطنية فقط، بل يمتد إلى تطوير الرياضة في المغرب عبر نقل تجاربهم وخبراتهم الاحترافية، كما يسهم العديد منهم في دعم البنية التحتية الرياضية داخل البلاد، سواء من خلال إقامة أكاديميات رياضية، أو تنظيم دورات تدريبية، أو توفير دعم مادي وتقني للنهوض بالرياضة الوطنية، وهو ما يجعل من الجالية المغربية بالخارج جزءا لا يتجزأ من النسيج الرياضي الوطني، حيث تعكس التفوق الرياضي المغربي في الساحات العالمية، وتجسد قيم التضامن والانتماء التي تربط المغاربة بوطنهم الأم.