اقتصادكم - محمد بوعزاتي
في خطوة تعكس استمرارية النهج الواقعي الذي تتبناه الأمم المتحدة إزاء قضية الصحراء المغربية، أصدر الأمين العام للمنظمة، أنطونيو غوتيريش، تقريره السنوي الذي أوصى فيه مجلس الأمن بتمديد ولاية بعثة المينورسو لمدة 12 شهرًا، إلى غاية 31 أكتوبر 2026. تقرير يحمل في طياته دلالات سياسية عميقة، تؤكد من جديد أن المجتمع الدولي يقف إلى جانب الحل السياسي المغربي القائم على مبادرة الحكم الذاتي، باعتبارها الإطار الواقعي والوحيد الكفيل بإنهاء هذا النزاع المفتعل في ظل احترام سيادة المغرب ووحدة أراضيه.
وأكد غوتيريش تنامي الالتزام الدولي بإيجاد تسوية لقضية الصحراء المغربية، التي تدخل عامها الخمسين، مسلطا الضوء على الضرورة الملحة لاغتنام هذه اللحظة التاريخية بغية تسريع وتيرة السعي نحو تحقيق حل سياسي دائم، كما أشار في التقرير إلى أن الدعم المتنامي الذي يعبر عنه المجتمع الدولي يشكل منعطفا حاسما في هذا النزاع المستمر منذ خمسة عقود.
المقاربة الواقعية.. خيار استراتيجي لا رجعة عنه
في حديثه لموقع “اقتصادكم”، يرى رشيد لزرق، الخبير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية ورئيس مركز شمال أفريقيا للدراسات والأبحاث، أن “التقرير السنوي يعكس استمرار المقاربة الواقعية التي تبناها مجلس الأمن منذ القرار 1754 (2007)، والذي اعتبر مبادرة الحكم الذاتي المغربية إطارا جديا وذا مصداقية لحل النزاع”. فبحسب لزرق، هذا التوجه ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج تراكم دبلوماسي مغربي ممنهج أثمر اعترافًا دوليًا متناميًا بواقعية الطرح المغربي وجديته.
ويضيف لزرق أن “التوصية بتمديد ولاية بعثة المينورسو لمدة 12 شهرا تؤكد حرص المنظمة على الحفاظ على الاستقرار الميداني في انتظار تقدم العملية السياسية، دون المساس بالمرجعيات القانونية التي تحكم الملف، خاصة مبدأ الحل السياسي التوافقي في ظل احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها”. فالتمديد، وفق المحلل السياسي، لا يُقرأ كمجرد إجراء إداري تقني، بل كرسالة ضمنية واضحة مفادها أن المجتمع الدولي ماضٍ في دعم المقاربة الواقعية، بعيدا عن الطروحات الانفصالية التي تجاوزها السياق الإقليمي والدولي الراهن.
توقيت استراتيجي
ما يميز تقرير غوتيريش هذا العام هو سياقه الزمني الدقيق، فهو يأتي، كما يوضح لزرق، “في لحظة انتقالية دقيقة، تتقاطع فيها معطيات جيوسياسية جديدة أبرزها تصاعد الاعتراف الدولي المتزايد بمغربية الصحراء وتنامي الانخراط الإفريقي والعربي في دعم المبادرة المغربية”. هذه الديناميكية الجديدة تفرض نفسها على المشهد الأممي، وتجعل من الصعب على أي طرف تجاهل الزخم الدبلوماسي الذي يحظى به الموقف المغربي.
ويستعرض التقرير، على غرار السنوات الماضية، المستجدات التي عرفتها القضية على الصعيدين الميداني والدولي، مقدما لمحة شاملة عن تطور العملية السياسية منذ أكتوبر الماضي وحتى شتنبر 2025. كما يتناول الجوانب الأمنية المتعلقة بعمل المينورسو، خاصة أنشطتها المدنية والتحديات التي تواجهها في تنفيذ مهمتها على الأرض.
دعوة للهدوء وضبط النفس.. قراءة في البعد الاستراتيجي
من اللافت أن غوتيريش، كما يلاحظ المحلل السياسي، “ركّز على ضرورة الحفاظ على الهدوء وضبط النفس، مع دعوته الأطراف إلى استئناف المسار السياسي برعاية المبعوث الشخصي ستافان دي ميستورا”. هذه الدعوة، في ظاهرها، موجهة لجميع الأطراف، لكنها في العمق تعكس إدراك الأمم المتحدة للتغيرات الجوهرية التي طرأت على التوازنات الإقليمية والدولية المحيطة بالملف.
ويضيف لزرق أن هذا التوجه “يعكس إدراك الأمم المتحدة بأن الدينامية الحالية تُحتّم مقاربة جديدة تتجاوز منطق الجمود الكلاسيكي نحو حلّ سياسي عملي يضمن الاستقرار الإقليمي ويُرسّخ شرعية الطرح المغربي في إطار الشرعية الدولية”. فالمنظمة الأممية، في نهاية المطاف، لم تعد قادرة على تجاهل حقيقة أن الحل الوحيد القابل للتطبيق هو ذلك الذي يحترم سيادة المغرب ووحدة أراضيه.
حقوق الإنسان.. تباين صارخ بين الأقاليم الجنوبية ومخيمات تندوف
في بُعد آخر ذي دلالة قوية، يتطرق التقرير السنوي إلى قضية حقوق الإنسان، مبرزا الجهود الكبيرة التي يبذلها المغرب من أجل النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها في الصحراء المغربية. هذا الاعتراف الضمني بالتقدم المغربي في هذا المجال يشكل ردا واضحا على الادعاءات المغرضة التي تحاول بعض الأطراف الترويج لها دوليا.
وفي المقابل، يشير التقرير إلى انتهاكات الحقوق والحريات الأساسية في مخيمات تندوف، وهو ما يكشف التباين الصارخ بين الوضع في الأقاليم الجنوبية المغربية، حيث تُحترم الحقوق وتُصان الكرامة الإنسانية، وبين الواقع المرير الذي يعيشه المحتجزون في المخيمات تحت سيطرة جهات انفصالية لا تخضع لأي رقابة دولية فعلية.
الولايات المتحدة حاملة القلم.. ضمانة إضافية للموقف المغربي
من المقرر أن يعقد مجلس الأمن اجتماعا في نهاية أكتوبر 2025 لاعتماد القرار الجديد بشأن الصحراء المغربية، والذي ستقدمه الولايات المتحدة الأمريكية بصفتها حاملة القلم. هذا المعطى له دلالة خاصة، خاصة في ضوء الاعتراف الأمريكي الرسمي بسيادة المغرب على صحرائه، والذي يشكل ضمانة إضافية لتوجيه النقاش الأممي نحو المسار الذي يدعم الحل الواقعي والعملي.
ويختتم لزرق حديثه بالقول إن تقرير غوتيريش السنوي لهذا العام يمثل خطوة إضافية في مسار تكريس المقاربة الواقعية التي تنسجم مع الطرح المغربي. فالتوصية بتمديد ولاية المينورسو، والتركيز على الاستقرار الميداني، والدعوة إلى استئناف العملية السياسية في إطار احترام السيادة والوحدة الترابية، كلها عناصر تصب في اتجاه واحد: الاعتراف الضمني بأن مبادرة الحكم الذاتي المغربية هي الأساس الوحيد