الصديقي يكتب: ما هو الوزن الاقتصادي والاجتماعي للقطاع غير المنظم؟

التحليل والرأي - 04-06-2025

الصديقي يكتب: ما هو الوزن الاقتصادي والاجتماعي للقطاع غير المنظم؟

اقتصادكم

 

‏‎بقلم: عبد السلام الصديقي وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية الأسبق

تم نشر نتائج تحقيق 2023/24 المتعلق بالقطاع غير المنظم ( أو اللاشكلي) من قبل المندوبية السامية للتخطيط. ويشمل هذا البحث مثل الأبحاث السابقة (1999، 2007، 2014)، مجموع  التراب الوطني في الوسط الحضري والقروي، كما يأخذ في الاعتبار جميع أشكال الوحدات غير المنظمة : تلك التي تعمل في مكان قار، وتلك التي تعمل في المنزل، وتلك التي تعمل في وضع متنقل أو بدون مكان. ومع ذلك، تستثني بعض الفئات، لا سيما الوحدات الزراعية، والإنتاج للاستخدام الشخصي، والعمالة المنزلية التي تشغلها الأسر بشكل خاص. لقد غطت عينة من 12391 وحدة إنتاجية  كامل التراب الوطني وتمت على  مدى 12 شهرًا لأخذ موسمية أنشطتها في الاعتبار. 

ما هو الوزن الاقتصادي والاجتماعي لهذا القطاع؟ كيف يعمل وما هي ديناميته الداخلية والخارجية؟ الكثير من الأسئلة تطرح عند قراءة تقرير المندوبية السامية للتخطيط. قبل تقديم عناصر الإجابة، دعونا نذكر بإيجاز بعض المعطيات الرقمية المتعلقة بهذا القطاع. 

وحدات إنتاج بلا موقع

يضم القطاع حوالي 2.03 مليون وحدة إنتاج غير منظمة في عام 2023، بزيادة تزيد عن 353,000 وحدة مقارنة بعام 2014. هذا النمو حضري بشكل رئيسي حيث تقع 77.3% من وحدات الإنتاج غير المنظمةُ في المناطق الحضرية، مع تركيز كبير في جهة الدار البيضاء سطات (22.7%). وتشكل التجارة النشاط الرئيسي، حيث تمثل 47% من وحدات الإنتاج على الرغم من أن حصتها قد انخفضت لصالح قطاع  الخدمات (28,3%) وقطاع البناء والتشييد (11,6%). في الغالب، تعتبر هذه الوحدات صغيرة جدًا، حيث يتكون 85.5% منها من شخص واحد فقط. 
أكثر من نصف وحدات الإنتاج المستقل (55.3%) لا تملك مقرًا مهنيًا قارا، ونسبة 4.6% تشتغل من داخل المنزل. وتختلف هذه النسب بالضرورة حسب طبيعة  النشاط. 

ثلث العمال يعملون في القطاع غير المنظم 

في عام 2023، يمثل العمل في القطاع غير المنظم 33.1% من العمالة غير الزراعية بانخفاض قدره 3.2 نقطة مقارنة بعام 2014. تم تسجيل هذا الانخفاض في قطاعي الصناعة والخدمات (من 37.2% إلى 29.3% ومن 21.5% إلى 20.6% على التوالي) مصحوبًا بزيادة في التجارة وقطاع البناء والأشغال العمومية (من 68.5% إلى 69.8% ومن 21.4% إلى 25.3% على التوالي). من حيث الحجم، انتقل عدد العمال  في القطاع غير المنظم من 2.37 مليون إلى 2.53 مليون بين عامي 2014 و2023، أي بزيادة قدرها 157,000 عامل.

يتركز 44.1% من العمالة في القطاع غير المنظم  في التجارة، تليها الخدمات (28.7%)، ثم الصناعة (15%) وقطاع البناء والأشغال العامة (12.2%).كما يتركز العمل في القطاع غير المهيكل  بشكل رئيسي في المناطق الحضرية (77.6%)، حيث تضم جهة الدار البيضاء-سطات 23.2% منها، تليها جهة  مراكش-آسفي (14%) وجهة  الرباط-سلا-القنيطرة (12.9%).

لا يمثل العمل المأجور سوى 10.4% من إجمالي العمالة في القطاع غير المهيكل. أكثر من 77% من العمال تم توظيفهم عن طريق العلاقة الأسرية أو الأصدقاء و60% منهم لا يتوفرون على  أي عقد شغل.

القطاع غير المهيكل ينتج 11% من الثروة الوطنية

بين عامي 2014 و2023، ارتفع رقم الأعمال السنوي للقطاع غير الرسمي من 409.4 إلى 526.9 مليار درهم، أي بزيادة قدرها 28.7%،  بمعدل نمو سنوي متوسط قدره 2.6%. وارتفع أيضا  الإنتاج غير المنظم ،  حيث بلغ 226,3 مليار درهم في عام 2023، أي بزيادة إجمالية قدرها 22,3%. على الرغم من هذه الزيادة بالقيمة المطلقة، فإن حصة هذا القطاع  في الإنتاج الوطني باستثناء الزراعة والإدارة العامة قد انخفضت من 15% في عام 2014 إلى 10.9% في عام 2023. 

تظل  التجارة النشاط  الرئيسي في هيكل إنتاج القطاع غير المنظم  على الرغم من أن حصتها قد انخفضت قليلاً، حيث انتقلت من 34.7% في عام 2014 إلى 30% في عام 2023. على العكس، تظهر الخدمات تقدمًا ملحوظًا، حيث بلغت نسبتها 24% في عام 2023 مقابل 18.6% في عام 2014. قطاع البناء والتشييد يحافظ على استقراره حول 18.4%، مقابل 18.1% في عام 2014. علاوة على ذلك، تراجعت حصة الصناعة في إنتاج القطاع غير المهيكل  بشكل طفيف، حيث انخفضت من 28.6% إلى 27.7%. 

حقق القطاع غير المنظم قيمة مضافة قدرها 138,97 مليار درهم في عام 2023، بزيادة مقارنة بعام 2014 (103,34 مليار درهم)، بمعدل نمو سنوي متوسط قدره 3,06%. مساهمته في القيمة المضافة الوطنية باستثناء الزراعة والإدارة العامة انخفضت من 16.6% في عام 2014 إلى 13.6% في عام 2023. تعتبر  التجارة  بمثابة القطاع الرئيسي المساهم (38,9% مقابل 43,1%) رغم تراجعها  لصالح الخدمات (25,6% مقابل 19,9%) وقطاع البناء والأشغال العامة (14,8% مقابل 14,3%). أما الصناعة، فإن حصتها قد انخفضت  من 22.8% إلى 20.8%. 

يتطور القطاع غير المنظم في ظل القطاع المهيكل . بعبارة أخرى، فإن القطاع المهيكل هو الذي يولد القطاع غير المنظم بشكل مباشر وغير مباشر. نرى ذلك بوضوح في حالة الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للبلاد. في هذه المدينة نجد في الوقت نفسه ما يقرب من ربع الوحدات غير الرسمية، أي 460,000 وحدة! وتعود هذه الكثافة لسببين أساسيين: أولاً، المدينة  توفر من خلال ديناميتها فرصًا لمثل هذه الأنشطة الموازية غير المنظمة كما نلاحظ أيضًا نفس الاتجاه  في المدن الكبرى مثل طنجة ومراكش وسلا، التي تسير على خطى الدار البيضاء؛ السبب الثاني يعود إلى كون تنمية البلاد تؤدي أكثر إلى الإقصاء بدل الادماج. المقصيون ليس لديهم خيار آخر سوى اللجوء إلى القطاع غير المهيكل  وأنشطة هامشية تسمح لهم بتوفير القوت اليومي.

ترافق هذه الدينامية الخارجية دينامية داخلية في القطاع غير المنظم . جزء كبير من أجراء هذا القطاع، محرومون من الحقوق الاجتماعية والدخل اللائق، يتحولون إلى "أرباب عمل" بإنشاء وحدتهم الخاصة. يكفي، للقيام بذلك، أن تمتلك هاتفًا محمولًا. لا حاجة لمحل، ولا لترخيص مزاولة، ولا للوثائق الإدارية للحصول على قرض بنكي! وكون  85.5٪ من الوحدات تتكون من شخص واحد فقط دال على ذلك. 

من الجدير بالذكر أيضًا، لإظهار هذه العلاقة بين الدينامية الداخلية والخارجية، أن 57% من إمدادات القطاع غير المهيكل تأتي من القطاع نفسه، مقابل 70.9% في عام 2014. في الوقت ذاته زاد الاعتماد على القطاع المنظم بشكل كبير (33.7% في عام 2023 مقابل 18.2% في عام 2014). كما يوجّه الجزء الأكبر من الإنتاج غير المنظم (79,5%) لاستهلاك الأسر، بزيادة مقارنة بعام 2014 (77,8%). المبيعات للقطاع المهيكل على الرغم من تواضعها، قد ارتفعت (2.4% في 2023 مقابل 0.5% في 2014 )، بينما انخفضت المبيعات الموجهة للقطاع غير المنظم  إلى 17.7% مقابل 21.3%.

دمج القطاع غير المهيكل.. أمنية بعيدة المنال

لهذه الاعتبارات، يمكننا التأكيد على أن السياسة الهادفة إلى دمج القطاع غير المنظم قد عرفت فشلاً واضحاً. كنا نأمل أن يشكل تعميم الحماية الاجتماعية رافعة لهذا الاندماج، لكن للأسف لم يكن الأمر كذلك. الواقع عنيد. والطبيعة تكره الفراغ. الرأسمالية السائدة غير قادرة على ضمان هذا الاندماج. على العكس، فهي تعمل على تعزيز القطاع غير المهيكل. أي محاولة لإدماج هذا القطاع في النظام الرأسمالي السائد دون إصلاح هذا الأخير هي مضيعة للوقت وإهدارا للموارد.

في غياب الإصلاحات الهيكلية التي تمس أسس هذه الرأسمالية المحيطية والمتواطئة، سنستمر في التودد إلى القطاع غير المهيكل لكونه يُعتبر صمام أمان ورافعة للاستقرار الاجتماعي.

ملحوظة: يشار إلى أن المندوبية السامية للتخطيط استعملت عبارة "غير المنظم" لترجمة informel. في اعتقادنا يمكن استعمال عبارات أخرى من قبيل : قطاع غير مهيكل، أو قطاع لاشكلي، إلى غير ذلك من المصطلحات المتداولة في مختلف الادبيات الاقتصادية.