المنظومة الجديدة للأسعار في المغرب: لماذا يتراجع التضخم ولا تنخفض الأسعار؟

التحليل والرأي - 27-01-2025

المنظومة الجديدة للأسعار في المغرب: لماذا يتراجع التضخم ولا تنخفض الأسعار؟

اقتصادكم - إيمان البدري

 

في الوقت الذي يسجل فيه مؤشر التضخم انخفاضًا ملحوظًا بـ  2.4% خلال 2024، مقابل 6.1 في المئة في 2023، و6.6 في المئة 2022، في المقابل لايزال المواطن المغربي يشعر بأن الأسعار لم تتراجع بالشكل المتوقع. إذ يبدو أن العلاقة بين التضخم والأسعار أصبحت أكثر تعقيدًا في ظل التحولات الاقتصادية الداخلية والخارجية التي يعيشها الاقتصاد الوطني.

وكانت المندوبية السامية للتخطيط، أفادت حسب مذكرتها الأخيرة المتعلقة بالرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك برسم سنة 2024. بأن أسعار المواد الغذائية ارتفعت، إذ المحرك الرئيسي للتضخم في المغرب بلغ 0.9  في المئة، والمواد غير الغذائية 1.2 في المئة. 

لكن الواقع يختلف، في حين أن معدلات التضخم قد انخفضت، إلا أن الأسعار لم تنخفض بشكل متناسب، بل بقيت مرتفعة في العديد من القطاعات الحيوية مثل المواد الغذائية، الوقود، ومواد البناء. السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا لا تتراجع الأسعار رغم انخفاض التضخم؟
 
اعتبر بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحماية المستهلك، أنه نظرا لانخفاض التضخم  و انخفاض أسعار المواد الأولية على الصعيد الدولي، أدى إلى ارتفاع الأسعار بالمغرب، مبرزا أن السبب الأساسي هو الحق المكتسب في الهامش الربحي، إذ أن التاجر يعتقد بأن انخفاض الأسعار يتسبب في تراجع أرباحه، وبالتالي يقر في الزيادة لأن القانون يسمح له بحرية الأسعار.

وأضاف الخراطي، في تصريح خص به موقع "اقتصادكم"، أن الهامش الربحي يعتقد حق كمكتسب لا يجب المس به، وذلك في ظروف إنعدام مؤسسة وطنية مكلفة بالاستهلاك وحماية المستهلك، كما أن النظام الضريبي غير قادر على تغيير ومواكبة التطور الاقتصادي وتغير السوق. 

ودعا رئيس الجامعة المغربية لحماية المستهلك، بالاشهار بالأسعار كما ينص القانون عليه، مشددا على أن المنظومة بها خلل والتجار مسؤولون أيضا على هذا الارتفاع.

ومن جهته، يرى رشيد ساري، الخبير الاقتصادي، أن هناك أنواع من التضخمات، إذ نجد التضخم المرتبط بما هو خارجي أي مستورد، يرتبط أساسا بما نستورده من مجموعة من المواد، خاصة المواد الطاقية، وهناك ما هو داخلي يرتبط بمجموعة من الأسعار والمنتوجات التي تنتج محليا،  بتكلفة أكبر خاصة المواد الفلاحية.

ويعتقد ساري، في تصريح لـ "اقتصادكم"، أنه أخطر تضخم هو الذي يرتبط بالجانب المالي، إذ له تأثير وانعكاس كبير على الاقتصاد الوطني، مبرزا أنه هذا النوع من التضخم لحسن الحظ  لا تعاني منه المملكة ، وذلك عن طريق الإدارة الجيدة والتدبير المميز لبنك المغرب ، مبرزا أنه "الدليل على ذلك أن سعر الدرهم يحافظ على مستوياته العادية مقابل الدولار والأورو ، وكما ينعكس على العملة".

ويعتبر الخبير الاقتصادي، أن الإشكال الحقيقي بالنسبة للمغرب، اليوم لا يمكن أن نتحدث على وجود تضخم مستورد، خاصة ما عشناه سنة 2022 عند نشوب الحرب الأوكرانيا الروسيا، وليس بالسيناريو الذي نعيشه اليوم، لأنه كان هناك تضخم مستورد ، الذي أدى إلى الارتفاع في الغاز والمواد الطاقية "البنزين والغازوال"، فضلا عن ارتفاع كبير في القمح، وأشار إلى أن التضخم المستورد الذي عاشته المملكة  بدأت ملامحه خلال أكتوبر 2021 .

وأكد ساري، بأننا اليوم  نسجل معدل التضخم على المستوى العام في 2 في المائة، لكن  السؤال الذي يطرح نفسه، لماذ معدل التضخم في المستوى العادي جدا، في المقابل لاتنعكس على القدرة الشرائية للمواطنين وخاصة على أسعار المواد الفلاحية واللحوم.

وردا على هذا السؤال، أفاد الخبير الاقتصادي :" بأن الإشكال الحقيقي الذي نعاني منه هو التضخم الهيكلي، إذ لا يمكن مناقشته نظرا إلى مجموعة من العوامل، أبرزها العامل المرتبط بالتقلبات المناخية وتحديدا الجفاف، العامل الثاني مرتبط بالاستنزاف الكبير للفرشة المائية ، سواء السطحية أو الباطنية، وهذا الاستنزاف أدى إلى الاعتماد على تحلية مياه البحر بتكلفة أكبر .

وأضاف المتحدث ذاته، أن هذا التضخم أصبح يرتبط أساسا بالمواد الفلاحية ،  إذ يساهم التجار والوسطاء في ارتفاع الأسعار  إلى مستويات غير منطقية، وهذا ما يؤدي إلى ما نحن عليه اليوم، رغم الدعم الذي يقدم من طرف الحكومة سواء في قطاع اللحوم أو القمح إلا أن هناك دائما إشكال هيكلي .

وشدد ساري على ضرورة تدخل الدولة لضبط ارتفاع هذه الأسعار في العديد من الأسواق، وذلك عبر تعيين مراقبيين أو لجان تقوم بمراقبة الأسعار الفلاحية أو غيرها، لمعرفة من يبالغ في رفع الأسعار بشكل كبير في مجموعة من المواد، فمثلا :" لا يعقل أن نجد ثمن الطماطم لا يتعدى 2 دراهم للكيلوغرام الواحد ، في المقابل نجد سعره في السوق يباع بـ 6 أو 8 دراهم للكيلوغرام الواحد، وذلك بسبب تدخل مجموعة من الوسطاء، بالتالي يجب على  الحكومة أن تتدخل للسيطرة ومراقبة هذا القطاع، خاصة بأن الدولة قامت بإعفاء الضريبة على القيمة المضافة بالنسبة لإستيراد اللحوم ، فضلا عن تخفيض من الرسوم الجمركية".