اقتصادكم - نهاد بجاج
منذ إطلاق برنامجي "انطلاقة" و"فرصة"، وضعت الحكومة رهانات كبيرة على دعم المقاولات الصغرى وحاملي المشاريع كرافعة لإحداث الثروة وفرص الشغل، غير أن السؤال الذي يطرح اليوم بإلحاح هو إلى أي حد نجحت هذه البرامج فعلا في تحقيق أهدافها على أرض الواقع؟
في هذا السياق، يؤكد رشيد الورديغي، رئيس الهيئة المغربية للمقاولات الصغرى، أن هذه المبادرات الحكومية شكلت تحولا إيجابيا في تسهيل الولوج إلى التمويل، لكنها "واجهت فروقات كبيرة بين الأهداف المعلنة والنتائج المحققة من حيث الجودة والاستدامة".
وأوضح الورديغي في تصريح لموقع "اقتصادكم"، أن البرامج المذكورة "جاءت في سياق سعي الدولة لإيجاد حلول تساهم في تقليص البطالة عبر التشغيل الذاتي وإحداث المقاولات المذرة للدخل"، مضيفا أن المجهودات المبذولة مكنت آلاف الشباب من الحصول على التمويل، لكن الأثر الاقتصادي والاجتماعي ما يزال متفاوتا حسب الجهة والقطاع وطبيعة المستفيدين.
يرى رئيس الهيئة المغربية للمقاولات الصغرى، أن المقاولين الشباب يواجهون إكراهات متعددة رغم توفر خطوط تمويل مدعومة من الدولة، وتتجلى في متطلبات البنوك (من ملفات قوية وضمانات وشروط السداد)، إذ ما زالت تمثل حاجزا أمام كثير من المشاريع الصغيرة جدا والمقاولات الناشئة.
وأضاف أن مبالغ القروض في برنامج "فرصة" تظل محدودة ولا تساعد في إحداث مقاولات قادرة على الصمود والتطور، خاصة في ظل ارتفاع كلفة الانطلاقة وتحديات السوق.
لكن الإشكال الأبرز، حسب الورديغي، يكمن في ضعف المواكبة التقنية والتجارية، موضحا أن الكثير من المستفيدين يحصلون على تمويل دون مواكبة فعلية أو تكوين مستمر، مما يجعلهم عرضة للفشل المبكر.
وعن أثر هذه البرامج على إحداث مناصب الشغل، يشير الورديغي، إلى أن الأرقام الرسمية تتحدث عن عشرات آلاف المقاولات وآلاف مناصب الشغل الجديدة، لكنه ينبه إلى أن هذه الأرقام "تحتاج إلى تدقيق مستقل"، مضيفا أن نسبة المقاولات التي تستمر بعد سنوات قليلة تبقى دون التوقعات.
ويرجع ذلك إلى غياب التكوين المستمر وضعف التسويق والتدبير المالي، وهي عوامل تساهم في إغلاق عدد مهم من المشاريع بعد فترة وجيزة من انطلاقها.
لتصحيح المسار وتحسين نجاعة منظومة التمويل العمومي، دعا الورديغي، إلى ربط التمويل بمسار مواكبة قبلية، بحيث لا يصرف أي دعم مالي قبل تكوين المستفيدين وتأهيلهم إداريا وتجاريا.
كما شدد المتحدث ذاته، على ضرورة تصنيف التدخلات حسب مراحل المشروع، فمن الضروري التمييز بين حامل الفكرة الذي يحتاج إلى التكوين والتوجيه، والمقاولة الناشئة التي تحتاج إلى مواكبة في التدبير والتسويق، والمقاولة القائمة التي تبحث عن تمويل توسعي أو شراكات جديدة.
واقترح الورديغي، أيضا إحداث نظام رصد وتقييم مستقل وشفاف، مشيرا إلى أن المرصد المغربي للمقاولات الصغرى والمتوسطة يمكن أن يضطلع بهذا الدور، إلى جانب تشجيع الشراكات الجهوية بين البنوك والمراكز الاستثمارية والغرف المهنية لضمان مواكبة مستدامة.
وشدد رشيد الورديغي، على أن برنامجي "انطلاقة" و"فرصة" يشكلان أرضية واعدة قابلة للتطوير، غير أن تحقيق أهدافهما الاستراتيجية يظل رهينا بمدى قدرة المنظومة على الانتقال من منطق التمويل وحده إلى منطق المواكبة الشاملة، فنجاح المقاولات الصغرى برأيه يتطلب تكاملا بين التكوين القبلي، والاحتضان خلال مرحلة الانطلاق، والمواكبة البعدية التي تضمن استدامة المشاريع وتعزز قدرتها على النمو والتطور داخل الدورة الاقتصادية الوطنية.