اقتصادكم
شهدت أسعار الذهب ارتفاعًا تاريخيًا في الأسواق العالمية، مما أثار تساؤلات حول دوافع هذه الطفرة: هل هي مجرد حالة ظرفية مرتبطة بتقلبات مؤقتة، أم أن الأمر يعكس تحولات هيكلية أعمق في النظام الاقتصادي العالمي؟
وقفز سعر الذهب في المغرب من عيار 18 قيراطًا ليقارب 950 درهمًا للغرام، وهو مستوى غير مسبوق يثير قلق المستهلكين وتساؤلات المستثمرين، بينما ارتفعترأسعار الذهب فوق 3950 دولارا للأوقية (الأونصة) اليوم الاثنين، مدفوعة بإقبال المستثمرين على الملاذ الآمن وسط مخاوف متزايدة بشأن إغلاق الحكومة الأميركية لفترة طويلة.
ويرى محمد بنشقرون، الخبير في الاقتصاد وأستاذ تدبير الأعمال، في حوار مع "Finances News Hebdo" أن هذا الارتفاع القوي في أسعار الذهب يعكس تفاعلًا بين عوامل ظرفية وأخرى هيكلية ففي المدى القريب، يفسر هذا الصعود بتوقعات الأسواق لقيام البنوك المركزية الكبرى بتخفيض أسعار الفائدة، ما يجعل الذهب خيارًا أكثر جاذبية بسبب انخفاض كلفة الفرصة البديلة.
لكن، حسب الخبير، لا يمكن تجاهل المؤشرات العميقة التي تحرك السوق، وأبرزها التحولات في سلوك البنوك المركزية العالمية، خصوصًا في البلدان الناشئة مثل الصين والهند وتركيا، التي تعمل على تعزيز احتياطاتها من الذهب بهدف تقليص اعتمادها على الدولار الأمريكي ومواجهة التقلبات في أسعار الصرف. هذا التوجه يعكس، بحسب بنشقرون، عدم الثقة المتزايدة في النظام النقدي العالمي القائم حاليًا.
ويصنف بنشقرون أسباب الطفرة الحالية في أسعار الذهب إلى ثلاثة محاور رئيسية، عوامل اقتصادية ونقدية من قبيل تراجع عوائد السندات في الاقتصادات المتقدمة دفع المستثمرين بعيدًا عن الأدوات التقليدية، المخاوف من عودة التضخم جعلت الذهب خيارًا للتحوط ضد تآكل القوة الشرائية.
وعوامل مؤسساتية مثل لجوء البنوك المركزية، خاصة في الدول الصاعدة، إلى شراء كميات ضخمة من الذهب بهدف تنويع الاحتياطيات وتقليص الاعتماد على الدولار، مما يؤدي إلى زيادة الطلب ونُدرة في العرض.
وعوامل جيوسياسية كتصاعد النزاعات الإقليمية، الحروب التجارية، والعقوبات الاقتصادية عزز من مناخ عدم اليقين، ما زاد من جاذبية الذهب كـ"ملاذ آمن" في أوقات الأزمات.
نهاية الذهب كاستثمار ثانوي؟
خلص محمد بنشقرون إلى أن هذه الطفرة لا يمكن حصرها في دورة قصيرة الأمد أو مضاربة سوقية فقط، بل تعكس تحولًا عميقًا في موازين القوى المالية العالمية. الذهب، الذي كان يُنظر إليه تاريخيًا كمخزن للقيمة، يبدو اليوم وكأنه يعود إلى مركز الاهتمام الاستراتيجي للدول والمؤسسات الكبرى، في ظل شكوك متزايدة حول مستقبل العملات التقليدية والنظام النقدي العالمي برمّته.