اقتصادكم - أسامة الداودي
يعيش المشهد الرياضي المغربي تحولات نوعية مع تزايد اعتماد الأندية على الابتكار الرقمي، وهو مشروع نادي الوداد الرياضي الرقمي Wydad TV وWydad.com الذي يؤثر بشكل مباشر على نموذج التسيير والاقتصاد الرياضي داخل الأندية الوطنية.
ويبرز الوداد كسبّاق في هذا المجال، بقيادته لتجربة رائدة تمثل نموذجًا جديدًا لإدارة الأندية وتعزيز حضورها الاقتصادي والإعلامي.
وفي حوار مع موقع "اقتصادكم"، أكد محمد باباخويا، الخبير في الإدارة والاقتصاد الرياضي، أن مشروع الوداد الرقمي يشكل نقلة استراتيجية أساسية، معتمدًا على تحويل الجمهور إلى مجتمع اقتصادي نشط، واستغلال محتوى حصري لتعزيز العلامة التجارية، وكذا تحقيق دخل متجدد يقلل الاعتماد على الإيرادات التقليدية.
وفي ما يلي نص الحوار:
إلى أي مدى يُعد دخول الوداد إلى عالم المنصات الرقمية خطوة نحو نموذج اقتصادي جديد؟
تمثل مبادرة الوداد في المجال الرقمي تحولًا استراتيجيًا جوهريًا، علامة على الانتقال الحاسم نحو نموذج اقتصادي جديد.
وتعتمد هذه المبادرة على أربعة ركائز مترابطة. أولاً، تقوم بانتقال حيوي نحو تحقيق إيرادات متكررة، لتحل جزئيًا مكان الاعتماد على الإيرادات المؤقتة مثل مبيعات التذاكر والرعاية الموسمية، مما يوفر رؤية مالية طويلة الأمد واستقرارًا ثمينًا.
ثانيًا، تُحفّز هذه المبادرة تحويل الجمهور من متلقٍ سلبي إلى مجتمع رقمي نشط. هذا المجتمع ليس مجرد جمهور، بل يُشكل أصولًا اقتصادية ديناميكية يمكن تحقيق دخل منها عبر بيع البضائع الرسمية، التذاكر الإلكترونية والمحتوى الحصري، مما يخلق منظومة تجارية خاصة بالنادي.
ثالثًا، تُساهم هذه الاستراتيجية بشكل كبير في تعزيز قيمة العلامة التجارية (Brand Equity).
من خلال إنتاج محتوى مقارب للجمهور مثل كواليس المباريات، المقابلات الحصرية والأفلام الوثائقية، يعزز النادي العلاقة العاطفية مع مشجعيه، وهي قيمة غير مادية تتحول مباشرة إلى قوة تفاوضية أكبر وجاذبية أكبر لدى الرعاة.
وأخيرًا، وربما الأعمق، يسمح المشروع باستغلال وتحقيق الدخل من “رأس المال غير المرئي” للنادي: تاريخه العريق، شغفه المميز وهويته الفريدة، والتي تشكل مصدر قيمة لم يتم استغلاله بالكامل حتى الآن.
هل يمكن أن يصبح هذا المشروع مصدر دخل مالي مستقل فعليًا؟
تعتمد قابلية المشروع لأن يكون مصدر دخل مالي مستقل على معادلة استراتيجية تجمع بين إمكانات التنويع والمتطلبات التشغيلية الضرورية. يكمن احتمال الاستقلال المالي في قدرته على توليد مصادر دخل متعددة ومتكاملة، تتجاوز الاشتراكات لتشمل الإعلانات الأصلية، رعاية المحتوى، بيع الحقوق للشتات المغربي، وبيع البضائع مباشرة.
هذا التنويع يُنشئ منظومة دخل مرنة تقلل الضغط المالي على المصادر التقليدية، وتغطي جزءًا مهمًا من التكاليف التشغيلية، وتعمل كوسادة خلال المواسم الرياضية الضعيفة.
ومع ذلك، يعتمد تحقيق الاستقلالية على عدة شروط أساسية: الاستثمار المستمر في جودة الإنتاج والابتكار التحريري، إدراك أن المحتوى الحصري والجاذب هو مفتاح الاحتفاظ بالمشجعين، وضرورة التميز في بيئة تنافسية عالمية مشبعة.
لذا، رغم أنه من غير المرجح أن يحل بالكامل محل الإيرادات التقليدية على المدى القصير، فإن المشروع الرقمي من المتوقع أن يصبح ركيزة مركزية في نموذج النادي الاقتصادي، يقلل الاعتماد على الإيرادات المتقلبة ويؤسس لقاعدة مالية أكثر استقرارًا واستدامة.
ما هي الشروط الإدارية اللازمة لضمان استدامة مشروع رقمي مثل Wydad TV/Wydad.com، وما المخاطر التنظيمية في حال غياب حوكمة مناسبة؟
تتطلب الاستدامة الناجحة لمشروع رقمي واسع النطاق مثل Wydad TV وWydad.com إنشاء إطار حوكمة صارم وشروط إدارية محددة.
على المستوى الهيكلي، يستلزم ذلك إنشاء كيان تشغيلي مستقل يتمتع باستقلالية ميزانية، ويُدار بواسطة مدير رقمي (Chief Digital Officer) ذو خبرة حقيقية في الاستراتيجيات الرقمية وقدرة على اتخاذ قرارات سريعة.
يجب أن يعتمد هذا الكيان على فريق متعدد التخصصات يشمل منتجين سمعيين بصريين، متخصصي التسويق الرقمي وتحليل البيانات، مهندسي بث ومطورين، إلى جانب مصممين وجرافيست، جميعهم يعملون وفق عمليات موحدة وخط تحرير واضح.
غياب هذا الإطار يعرض النادي لعدة مخاطر رئيسية، فماليًا، قد يؤدي ذلك إلى غياب رؤية واضحة لعائد الاستثمار وصعوبة جذب الرعاة بسبب عدم القدرة على تقديم مقاييس جمهور موثوقة ومحتوى عالي الجودة.
أما تشغيليًا، فقد يعاني المشروع من إنتاج محتوى غير منتظم ومشاكل تقنية، خاصة في البث المباشر، ما يضر بسمعة النادي.
بينما قانونيًا، هناك مخاطر كبيرة تشمل انتهاك حقوق البث الحصرية، عدم الامتثال لقوانين حماية البيانات الشخصية، وانتهاك حقوق الملكية الفكرية.
بدون هذا الأساس الحوكمي، لن يتمكن المشروع الرقمي من تحقيق استقلال مالي وستظل استدامته مهددة، ليبقى مبادرة ثانوية بدل أن يصبح ركيزة استراتيجية للمستقبل الاقتصادي للنادي.
هل يمكن للمشروع الرقمي للوداد تحويل الجمهور من متلقٍ سلبي إلى جزء من المنظومة الاقتصادية؟
نعم، يمكن للمشروع تحويل الجمهور إلى عنصر متكامل ضمن المنظومة الاقتصادية، لكن عبر استراتيجية هرمية واضحة. يعتمد هذا التحول على إشراك الجمهور في تجربة تفاعلية شاملة، لا مجرد استهلاك محتوى.
يشمل ذلك المحتوى اليومي، البث المباشر للتدريبات، والأفلام الوثائقية، والتي تعمل كبنية تفاعلية وعاطفية تُستغل لتحقيق دخل عبر بناء مجتمع رقمي وليس مجرد جمهور بالتفاعل على منصات مثل Wydad TV والتعليقات على الوثائقيات يخلق شعورًا بالانتماء، حيث يتحول المشاهد من متلقٍ سلبي إلى عضو نشط ضمن “عائلة رقمية للوداد”، وهي السوق المستهدفة لأي مبادرة اقتصادية مستقبلية.
وكذلك عن طريق تمكين الجمهور عبر آليات المشاركة، ويمكن تحويل التفاعل إلى قرارات اقتصادية من خلال استطلاعات رقمية كاختيار تصميم القميص للموسم القادم أو الأغنية الرسمية للمشجعين.
والمشاركة في المحتوى كذلك عبر مسابقات لأفضل فيديو للمشجعين على المنصة الرسمية.
وهناك أيضا برامج اشتراك تفاعلية عبر منح المشتركين وصولا أولويًا للتذاكر، تخفيضات على البضائع الرسمية، أو فرصة حضور التدريب المباشر. هذا يحول الوداد من كيان بعيد إلى خدمة مخصصة لكل مشجع.
كيف يمكن تحويل التفاعل الرقمي إلى ولاء ثم إلى إيرادات فعلية؟
يُفهم هذا التحويل عبر هرمية ذات مستويين.
القاعدة: عبر تحويل التفاعل إلى ولاء من خلال بث التدريبات المباشرة والمحتوى الأصيل، وإستراتيجية دمج رقمية شاملة (تخصيص الردود، الاعتراف بالمشجعين) لتحويل الولاء المجرد إلى علاقة شخصية مع العلامة.
وفي قمة الهرم، يتحول هذا الولاء إلى رافعة اقتصادية ملموسة عبر تقديم اشتراكات مميزة لمحتوى حصري ومتخصص، مع تخصيص أولوية التذاكر لتعزيز العلاقة التبادلية، إلى جانب إطلاق حملات تسويق سردي للبضائع محدودة الإصدار، واستثمار الرعاية في المحتوى للوصول إلى جمهور ملتزم وحقيقي.
نجاح هذا المشروع بالمغرب يعتمد أقل على الابتكار التكنولوجي وأكثر على قدرة النادي على تحويل الشغف الجماعي إلى منظومة اقتصادية متكاملة، حيث يُنظر للمشجع كشريك فعلي في نموذج مستدام.
هل يُمثل إطلاق Wydad TV/Wydad.com بداية “رقمنة الأندية المغربية”، وكيف يغير قواعد المنافسة؟
من خلال إطلاق Wydad TV وWydad.com، يشهد المشهد الرياضي المغربي نقطة تحول تاريخية، حيث يتحول النادي من مؤسسة تقليدية إلى منصة رقمية كاملة.
المبادرة لا تمثل مجرد خطوة رقمية، بل حجر الأساس لـ”رقمنة الأندية المغربية”، ووضع معايير جديدة للإدارة والابتكار الرقمي.
وعلى صعيد المنافسة، يخلق المشروع ميزة تنافسية متعددة الأبعاد، متمثلة في العلامة التجارية لينتقل النادي من كونه لاعبا محليًا إلى منصة إعلامية عالمية، مما يعزز مكانته كعلامة رياضية وثقافية رائدة.
ولاننسى جانب التسويق الذي يسمح للنادي من الاعتماد على الحملات الموسمية إلى تواصل يومي مع الجمهور، وجمع بيانات دقيقة عن المشجعين وتفضيلاتهم لتسويق مستهدف.
كما يساهم المشروع في جذب الرعاة، إذ يفتح آفاقًا جديدة للشراكات، مما يتيح لهم الوصول إلى جمهور أكثر التزاما وتفاعلاً، وربط عروضهم بمحتوى رقمي حصري مع إمكانية قياس تأثيرها بشكل مباشر.
بهذه الطريقة، لا يقتصر المشروع على خلق مصدر دخل جديد فحسب، بل يرفع مستوى توقعات ما يمكن أن تقدمه الأندية، محولًا المنافسة من مجرد السعي وراء الألقاب إلى السباق لتقديم أفضل تجربة شاملة للمشجعين.