اقتصادكم - شعيب لفريخ
إشكالية القطاع غير المهيكل هي إشكالية عميقة متشعبة ومرتبطة بالبنية الاقتصادية العامة، وبالتالي فإن إصلاح أمور القطاع لا ينفع معه الإصلاح التجزيئي، بقدر ما هو يحتاج إلى مقاربة شاملة واستراتيجية وطنية مندمجة على مدى زمني متوسط وبعيد نسبيا..
في هذا السياق أعلن وزير الادماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات يونس السكوري يوم أمس الاثنين بمجلس النواب عن قرب الإعلان عن تدابير تتعلق بمراقبة المشتغلين في القطاع غير المهيكل الذين لا يصرحون بمداخيلهم، وكان الوزير نفسه قد صرح في أواخر الشهر المنصرم أمام لجنة القطاعات الإنتاجية بمجلس النواب، أن وزارته ستعلن عن تصور شامل لحل إشكالية القطاع غير المهيكل.
إن إصلاح إشكالية القطاع غير المهيكل ليست بالمسألة السهلة ولا يمكن اختزالها في المتهربين من التصريح بمداخيلهم، لأنه إذا كان الأمر يتعلق بعدم التصريح بالمداخيل فقط، لكان الأمر سهلا ولأصبح شبيها بمشكل عدم التصريح والتملص الضريبي للأشخاص الآخرين والشركات التابعة لهم، الذين مازالوا مستمرين في أدائهم المعهود.
أن اختزال الإشكالية في التصريح بالمداخيل ما هو إلا جزء من باقي أجزاء الإشكالية العامة للقطاع غير المهيكل، لأن منظومة الاقتصاد غير المهيكل هي جزء بنيوي أساسي في الاقتصاد المغربي وتشكل القاعدة العريضة من الهرم الإنتاجي من حيث التشغيل والناتج الداخلي الإجمالي وسبل العيش، وهي نتاج سياسات اقتصادية متراكمة على مدى عقود.
فاللجوء إلى القطاع غير المهيكل، كما جاء في دراسة للمندوبية السامية للتخطيط مؤرخة في شهر مارس 2021، يكون بسبب الحصول على دخل وجلهم أرباب أسر، وحسب احصائيات المندوبية لسنة 2013 فالوحدات الصغيرة المتكونة من شخص واحد بلغت نسبتها 74.9%، وأنه حسب ذات الدراسة إذا لم يقترن النمو الاقتصادي بتحول هيكلي وإعادة توزيع أفضل للثروة فلن يتم تقليل نشاط القطاع غير المهيكل.
كما أن ذات الدراسة أشارت إلى أن ازدياد معدلات القطاع غير المنظم مرتبطة بمستويات منخفضة من الدخل الوطني الإجمالي، وأن العوامل المساعدة على تقليص حجم القطاع مرتبطة بتحسين ظروف المعيشة، التي أبانت الأزمة الصحية لكوفيد 19 عن هشاشة الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي للمشتغلين في القطاع.
أحد الباحثين، ربط بين الاقتصاد غير المهيكل والمؤسسات الاقتصادية القائمة في المغرب، التي اعتبر أنها مؤسسات ليست إدماجية وهي صورة طبق الأصل للمؤسسات الأخرى، ويخلق هذا سنويا ضحايا كثرا يرتمون في أحضان القطاع غير المهيكل.
أما المجلس الاقتصادي والاجتماعي، فقد اعتبر من جهته أن الاقتصاد غير المهيكل يبقي على ازدواجية المنظومة الإنتاجية وفي تأخير مسلسل التحول الهيكلي، وأن انتشار الأنشطة الاقتصادية غير المنظمة مكن شرائح واسعة من إيجاد مصدر للعيش والهروب من البطالة لاسيما الساكنة النشيطة ضعيفة التأهيل.
والملحوظ، أن هناك تأخرا في الشروع في معالجة إشكالية القطاع غير المهيكل، فشيء جيد أن يكون لوزارة الادماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات تصور شامل لحل إشكالية القطاع غير المهيكل، لكن هذا التصور الذي لم يعلن عنه بعد، ينبغي أن يرقى إلى استراتيجية وطنية مندمجة ذات أهداف وقيادة مركزية وجهوية ومحلية.
وهو ما خلصت إليه دراسة المندوبية السامية للتخطيط السالفة الذكر، حينما أشارت إلى ضرورة تبني استراتيجية وطنية لإصلاح أنشطة القطاع غير المهيكل تعتمد على نهج متكامل ومتناسق وتتضمن عدة أبعاد تخص التنظيم والتمويل والتسويق والتدريب والحماية الاجتماعية وإصلاح النظام الضريبي وضريبة القيمة المضافة وتحسين الإطار المؤسساتي وتبسيط الأنظمة الجاري بها العمل.
كما أن اعتماد استراتيجية وطنية لحل إشكالية القطاع غير المنظم، خلصت إليه الدراسة القيمة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي التي هي تحت عنوان: (مقاربة مندمجة للحد من حجم الاقتصاد غير المنظم بالمغرب)، والمنجزة بتاريخ 30 يونيو 2021، والتي تعتبر مرجعا أساسيا تشخيصيا للظاهرة، ليس فقط من باب أن المجلس مؤسسة دستورية يقدم استشاراته إلى الحكومة والبرلمان، وإنما لدقة وسعة التشخيص، واقتراحه لاستراتيجية وطنية مندمجة ذات تفصيل وذات أهداف محددة على المدى الزمني.