اقتصادكم - أسامة الداودي
تعرف بورصة الدار البيضاء دينامية غير مسبوقة بعد سنة استثنائية سجلت خلالها المؤشرات ارتفاعات قياسية مدفوعة بتراجع التضخم وتيسير السياسة النقدية وتحسن أرباح الشركات، لتتزايد في هذا السياق أهمية مناقشة عمليات زيادة رأس المال وتأثيرها على السوق.
ومع إغلاق سنة مالية تاريخية حققت فيها بورصة الدار البيضاء أعلى مستوياتها منذ 2008، وتنامي جاذبية الاستثمار بفعل استقرار الاقتصاد الكلي وتحسن ربحية الشركات، يبرز النقاش حول تدبير الزيادات في رأس المال ودورها في توجيه المؤشر المرجعي.
وفي هذا الصدد، أكد الخبير في سوق الرساميل، ياسين مجد الله، أن تأثير عمليات زيادة رأس المال على تقييمات الشركات المدرجة وعلى المؤشر المرجعي لبورصة الدار البيضاء يظل رهينًا بسياق كل عملية وبالمنطق المالي الذي تقوم عليه.
وواصل ياسين مجد الله في تصريح لموقع "اقتصادكم"، أن الفهم الدقيق لطريقة التسعير والغرض من الزيادة يمكّن المستثمرين من التمييز بين العمليات ذات الجدوى الاقتصادية الحقيقية وتلك التي لا تسندها مشاريع واضحة.
وأبرز أن الزيادات لا تقاس فقط بحجمها، بل بمدى انسجامها مع استراتيجية الشركة وقدرتها على خلق قيمة مضافة فعلية للمساهمين.
وتابع ياسين مجد الله موضحًا أن أول عنصر يُحدث الفرق عند تقييم هذه العمليات هو سعر الزيادة مقارنة بالقيمة العادلة للسهم، إذ يؤدي اعتماد سعر منخفض للغاية إلى تخفيف مباشر في قيمة مساهمات المساهمين القدامى.
لكن الخبير في سوق الرساميل، نبّه إلى أن السوق يتفاعل إيجابيًا عندما تكون العملية مبررة بمشاريع واقعية ودفاتر طلبات حقيقية يمكن قياس أثرها.
وفي هذا الصدد، أشار إلى نموذج TGCC التي لجأت إلى زيادة رأس مال موجّهة لتمويل دفتر طلبياتها القياسي المرتبط بالأوراش الكبرى، فارتفع سعر الأسهم الجديدة فور الإدراج، لأن المستثمرين اعتبروا الخطوة امتدادًا لتوسع فعلي وليس مجرد إجراء مالي شكلي.
وأضاف المتحدث ذاته حديثه أن استخدام الأموال يُعد العامل الأكثر حساسية في نظر السوق، لأن المستثمرين اليوم لا يتجاوبون مع الوعود العامة التي تُطلق بصيغ فضفاضة تحت عنوان “التوسع”.
كما شدد مجد الله على ضرورة تقديم تفاصيل دقيقة حول كيفية توظيف المبالغ المتحصلة، مع تحديد آجال واضحة ومؤشرات أداء قابلة للمتابعة.
ولفت إلى أن المستثمر المتوسط والطويل المدى يحتاج إلى مشروع مفهومي تُتابع نتائجه على أرض الواقع، مما يجعل الشفافية والمحاسبة عنصرين حاسمين في نجاح أي عملية من هذا النوع.
وأشار إلى أن تأثير هذه الزيادات يمتد أيضًا إلى المؤشر المرجعي لبورصة الدار البيضاء، إذ إن الزيادات الكبيرة في رسملة بعض الشركات قد تغير وزنها داخل المؤشر، مما يجعل حركة هذا الأخير مرتبطة بشكل أكبر بالقيم الثقيلة التي تقوده.
وذكر أن المؤشر لطالما ظلّ موجهًا بقوة من طرف شركتين ذواتي رسملة كبرى، هما اتصالات المغرب والتجاري وفا بنك، وهو ما يجعل أي تغير في أداء هذا الثنائي يؤثر مباشرة في اتجاه المؤشر.
ولفت الخبير ذاته إلى أن الارتفاع القوي الذي يشهده القطاع البنكي خلال الفترة الأخيرة أسهم في دفع المؤشر نحو مستويات أعلى، بالنظر إلى الثقل الكبير الذي تحتله هذه القيم داخل تركيبة السوق.
وزاد موضحًا أن قراءة المؤشر المرجعي تتطلب حذرًا، لأن تحسنه لا يعكس بالضرورة وضعية إيجابية لدى جميع الشركات المدرجة، بل يُظهر في أحيان كثيرة أداء عدد محدود من الشركات الكبرى التي تمتلك القدرة الأكبر على تحريك المؤشر.