اقتصادكم
يؤدي التسارع في شيخوخة السكان إلى اختلال التوازن في الاستدامة المالية لصناديق التقاعد مع العلم أن عدد سكان المغرب الذين يبلغون من العمر 60 عاما فما فوق حاليا يبلغ حوالي 5 ملايين شخص مقارنة بـ 3.2 ملايين شخص سنة 2014، وارتفعت النسبة من 9.4 % إلى 13.8 % سنة 2024، بمعدل نمو سنوي قدره 4.6 %، متجاوزا معدل النمو الإجمالي للسكان 0.85%.
وأوصى المجلس الأعلى للحسابات بإصلاح نظام التقاعد لتجنب الانهيار ودعم القدرة المالية لهذه الصناديق.
وقال حسن إدمان، أستاذ الاقتصاد والتدبير بكلية العلوم القانونية والاقتصادية بأكادير أن تسارع شيخوخة السكان في المغرب سيكون له تأثير على منظومة التقاعد بأكملها، وخاصة فيما يتعلق بمدى كفاية الأموال لتغطية الزيادة في عدد المعاشات التي يتعين دفعها.
وأضاف المتحدث ذاته، في حوار مع "فينونس نيوز" أنه وفقًا للنتائج الأولية لإحصاء 2024، يبلغ عدد الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 60 عامًا فأكثر حاليًا ما يقرب من 5 ملايين، مقارنة بـ 3.2 مليون فقط في عام 2014، وهذا يمثل متوسط نمو سنوي قدره 1.5 مليون نسمة بزيادة قدرها 4,6%، وهي نسبة تظل مرتفعة بشكل ملحوظ مقارنة بنمو إجمالي السكان الذي يبلغ 0,85%.
وأشار إلى أن تسارع وتيرة الشيخوخة وتباطؤ النمو السكاني، يؤدي إلى تحديات كبيرة لخطط التقاعد. ويواجه المغرب، باعتباره بلدا يعيش مرحلة انتقالية ديمغرافية، تدهورا في معدل الإعالة، وهو ما يهدد التوازن المالي لصناديق التقاعد. وفي الواقع، في مواجهة الزيادة في عدد المتقاعدين وانخفاض عدد السكان النشطين، أصبحت القدرة على تمويل المعاشات التقاعدية تشكل تحدياً متزايد التعقيد بسبب انخفاض معدل تغطية السكان العاملين، الذين يشكلون القاعدة الحقيقية للمساهمين، فضلاً عن معدل البطالة المرتفع، والذي قدر مؤخرًا بنحو 21٪ من قبل HCP.
"وتؤدي النسبة الكبيرة من السكان غير قادرة على المساهمة في صناديق التقاعد إلى مزيد من الخلل في أنظمة التقاعد القائمة على الدفع حسب الاستخدام. علاوة على ذلك، فإن هذا المعدل المنخفض للتغطية الاجتماعية يتعارض مع التحول الديمغرافي الذي تشهده المغرب حاليا، ويؤدي انخفاض معدلات الوفيات وزيادة متوسط العمر المتوقع إلى زيادة كبيرة في عدد المتقاعدين في جميع أنظمة التقاعد، مما يؤدي إلى اختلال التوازن المالي للصناديق. وعلاوة على ذلك، فإن الانخفاض في معدل المواليد يحرم أنظمة التقاعد من فاتورة أجور مستقبلية قادرة على دعم تقاعد الأجيال الحالية"، يؤكد الخبير الاقتصادي.
وأكد المتحدث ذاته أن أنظمة التقاعد ليست أنظمة متكاملة، تختلف درجات معارضتها وتعرضها للصعوبات المالية، أهمها الصندوق المغربي للتقاعد (CMR) الذي يدير نظامين، نظام المعاشات المدنية ونظام المعاشات العسكرية، والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد (RCAR) كمؤسسة ونظام، والأنظمة التي يديرها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والأنظمة التكميلية، وخاصة تلك التي يديرها الصندوق المهني المغربي للتقاعد (CIMR)، موضحا أن الأداء غير المتساوي لهذه الأنظمة، إلى جانب غياب قانون إطاري يحكم التقاعد في المغرب وهيئة إشرافية واحدة، يشكل أيضًا مصدر ضعف للنظام وتواجه صناديق الموظفين العموميين، ضغوطا كبيرة ويرجع ذلك إلى تشبع الإدارات العامة من حيث الطلب على العمل، مقارنة بالعقود الأولى التي أعقبت الاستقلال ويؤدي هذا الوضع إلى انخفاض مستمر في عدد المساهمين النشطين في القطاع العام، إلى جانب زيادة في عدد المتقاعدين.
ويرتقب أن يتسع العجز التراكمي ليصل إلى 17.52 مليار درهم بحلول عام 2028، وإلى غاية هذا التاريخ سيكون صناديق الاحتياط قد استنفدت بالكامل.
ويرى الخبير أنه هناك ثلاث طرق تقليدية يمكن اتباعها لمعالجة هذه الظاهرة: رفع سن التقاعد، زيادة المساهمات، أو تقليص المعاشات التقاعدية. وقد تم تطبيق بعض هذه التدابير جزئيًا في عام 2016، مثل الزيادة التدريجية في سن التقاعد من 60 إلى 63 عامًا، وزيادة معدل المساهمة من 20% إلى 28%. ومع ذلك، وبعد مرور ثماني سنوات فقط على هذه الإصلاحات، لا تزال المشاكل قائمة رغم أن هذه الإجراءات قد تكون "فنية" إلى حد ما، إلا أنها بحاجة إلى إصلاحات اقتصادية ومؤسسية أعمق لضمان استدامة تمويل المعاشات التقاعدية وتقليل الضغط على صناديق التقاعد.
واعتبر إدمان أن هناك حاجة كبيرة لتوسيع قاعدة المساهمين، خاصة في إطار تعميم تغطية الضمان الاجتماعي، وهذا يشمل دمج العاملين لحسابهم الخاص وغير المأجورين والعاملين الموسميين من خلال أنظمة بسيطة تتناسب مع احتياجاتهم كما أن تعزيز التوظيف يعد أمرًا أساسيًا لتوسيع قاعدة المساهمين.
من الضروري أيضًا التفكير في بدائل وآليات مبتكرة ومستدامة، يضيف الأستاذ الجامعي، سواء من حيث التمويل أو تقديم الخدمات. على سبيل المثال، يمكن تبسيط نظام المعاشات التقاعدية واعتماد نظام معاشات تقاعدية متعدد الركائز: ركيزة أولى تضمن حد أدنى وشاملاً للجميع، ثم ركيزة ثانية تعتمد على المعاشات المبنية على الاستخدام الفعلي، ثم ركيزة ثالثة تكملية، وأخيرًا ركيزة اختيارية وشخصية. على المستوى المؤسسي، من الضروري ربط قواعد البيانات للأنظمة المختلفة وأتمتة العمليات كافة، كما يجب تحقيق التنسيق بين الأنظمة المختلفة عبر إنشاء مؤسسة واحدة وقانون إطاري موحد، يساهم في تقليل التفاوتات، وترشيد التكاليف، وتحسين الكفاءة.